اقرأ في هذا المقال
يُواجه نظام الاقتصاد الإسلامي مشكلات كباقي الأنظمة الاقتصادية التقليدية، ويُقرّ بوجود المشكلة الاقتصادية المتمثلة في عملية الاختيار، أي اختيار الموارد المناسبة لإشباع الحاجات الأكثر ضرورة، ويختلف مع الاقتصاد التقليدي حول أسباب المشكلة وطُرق علاجها.
طبيعة المشكلة الاقتصادية من منظور إسلامي:
بعد أن اتّفق الاقتصاد الإسلامي مع الاقتصاد التقليدي في طبيعة المشكلة الاقتصادية، التي تتمثل في اختيار الموارد النادرة نسبياً لإشباع الحاجات المتعددة اللّانهائية، اعتُبِر هذا الجانب المادّي للمشكلة، وأنَّ هناك جانب عقائدي يقوم على منهج ربّاني، ينبغي على الإنسان أن يسير عليه إذا أراد الهداية في اختيار الجانب المادّي.
والاختيار في الجانب المادّي ليس مُطلقاً؛ حيث لا مجال للاختيار في الطُرق الحرام، ولا مجال لإشباع الحاجات بالمحرّمات أو إشباع الحاجات المحرّمة، ويجب على الإنسان فعل الواجب دون التردّد في تركه؛ لأنَّه لا مجال للاختيار في الفروض والواجبات تبعاً للقواعد الشرعية في النظام الاقتصادي الإسلامي.
تحليل عناصر المشكلة الاقتصادية من منظور إسلامي:
- نُدرة الموارد من منظور إسلامي: رفض بعض علماء الاقتصاد الإسلامي مبدأ نُدرة الموارد النسبية، واعتبر أنَّ المشكلة الاقتصادية لم تكن بسبب نُدرة الموارد، وإنَّما بسبب تقصير الإنسان على نفسه والآخرين، لأنَّه أساء استخدام الموارد وطريقة توزيعها، ولم يستغلّ قدراته في العمل والاستثمار، لإشباع حاجاته وتلبية طلباته، واستدلّوا بقول الله تعالى:“وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” سورة هود آية6.
وأمَّا الآخرين من علماء الاقتصاد الإسلامي اعترفوا بوجود النُّدرة النسبية لبعض الموارد، لأنَّ الدنيا ليست دار النعيم ليتوافر فيها كلّ شيء، والوضع يختلف على الأرض فلا بدّ من بذل الجهد للحصول على السلعة، وأنَّ هناك بعض الموارد القابلة للنفاذ ويوجد موارد لم تُكتشف بعد، فكان هذا حافز على الحركة والنشاط، واستدلّوا بقول الله تعالى:“وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ” سورة الشورى آية 27. - لانهائية الحاجات من منظور إسلامي: وافق الاقتصاد الإسلامي بفكرة لانهائية الحاجات واعترف بها، لكنَّه لم يرى ضرورة إشباع كل هذه الحاجات، وخاصّة الحاجات المُحرَّمة، أو التي تؤدي إلى الحرام، قال تعالى:“كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ” سورة طه آية 81. فإشباع الحاجات في الاقتصاد الإسلامي مرتبط بقيود وضوابط، فالحاجات الطيّبة المشروعة يُمكن تلبيتها حسب الضروريات ثمَّ الحاجيات ثمَّ التحسينات، أمَّا الحاجات غير المشروعة فلا يُمكن تلبيتها.
- نظام السوق من منظور إسلامي: في النظام الإسلامي لم يُعتبر نظام السوق أداة لحل المشكلات والأزمات الاقتصادية، وتصحيح الأخطاء في تخصيص الموارد وتوفير الضروريات للناس، كما اعتقد بعض علماء الاقتصاد التقليدي مثل “آدم سميث”، الذي كان يعتبر نظام السوق اليد الخفيَّة لإصلاح المشكلات الاقتصادية. فالتزام القيود والضوابط الإسلامية والأخلاقية في السوق، هو الذي يُحقق التخصيص الأمثل للموارد وتوفير الضروريات للناس، بأسعار تُناسب الجميع دون الضرر بالمُنتج أو المستهلك.
- التناقض بين الإنتاج والتوزيع من منظور إسلامي: ادّعى الاقتصاديون التقليديون بأنَّ أشكال الإنتاج هي التي تحكُم آلية توزيع الثروة، لكنَّ مبدأ توزيع الثروة في الاقتصاد الإسلامي لم يعتمد على أي شكل من أشكال الإنتاج، فهو قائم على قواعد وأُسس ثابتة مهما اختلفت أشكال الإنتاج وتغيّر الزمن، فإنَّ العلاقة بين الناس تقوم على التراحم والتعاون بناءً على قيم وأخلاق ربّانية، بعيداً عن الصراع والتناقض، ولا تأثير للعامل الاقتصادي في تكوين نظام توزيع الثروة بين الناس، والملكية الخاصة مضبوطة بأخلاق وقيم تُراعي المصلحة العامة وأولويات المجتمع.
- التخطيط المركزي من منظور إسلامي: يقوم مبدأ التخطيط المركزي التابع للأنظمة الاقتصادية التقليدية، على انتزاع الملكية الخاصّة وتولّي أولياء الأمور في الدولة للأمور الاقتصادية، وإنقاذ الناس وحمايتهم وتوفير احتياجاتهم. والتخطيط المركزي مبدأ مرفوض في النظام الاقتصادي الإسلامي، وللفرد الحرّية الاقتصادية في اختيار مشروعاته الاستثمارية، وتحديد رغباته وما يُلبّي حاجاته وأذواقه، ولا يُلزَم الفرد بسلع أو خدمات لا تُحقق مطالبه، وعلى الدولة المتابعة والأخذ بمصلحة الجميع وتوفير حاجات الناس وتلبية رغباتهم، والعمل على ما يُحقق التنمية الاقتصادية المنشودة في الإسلام بناءً على مقاصد الشريعة الإسلامية، وعدم التدخُّل بالملكيات الخاصة إلّا عند الضرورة، كما فعل عمر بن الخطّاب _رضي الله عنه_ في عام المجاعة.