إنّ مصادر الإسلام التشريعية بدأً بالقرآن الكريم، ومن ثمّ الحديث والسنّة صالحة لكل زمان ومكان، تراعي الأمكنة والأزمنة، وتراعي ضروف الناس واحتياجاتهم، فلم يأتي الإسلام بما لايمكن للإنسان عمله وتحقيقة، دين بمتناول القدرة والاستطاعة، بل إنّ من يسر الإسلام ما كان مراعياً لأحوال من دخلوا في القرآن وكانوا قريبو عهدٍ بالجاهلية وعاداتها وتقاليدها، فتدرج الإسلام فيما يصعب على من دخل الإسلام حديثاً تطبيق أحكامها في كتحريم الخمر مثلاً، وجاء في ذلك التدرج والتغيير لأحكام متغيرة تراعي هذا التدرج، وسمي الانتقال والتغيير في الحكم ناسخاً ومنسوخاً، وكان لهذا العلم وجود في الحديث الشريف، فتعالوا معنا نتعرف على الناسخ والمنسوخ في الحديث.
مفهوم الناسخ والمنسوخ في الحديث
النسخ في اللغة يعني تغيير الأصل وإلغائه.
وعند المحدثين باصطلاحهم هو: ما جاء في سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حُكْمٍ تمَّ به إلغاء حُكْمٍ سابق، وهو كما في القرآن الكريم عندما تدرّج القرآن بتحريم الخمر، فكان كل حكم يلغي الحكم القديم، والنسخ ليس خطأً في الأحكام الشرعية كما يقول بعض أعداء الإسلام ، بل إنّ النسخ في الأحكام له حكمة عظيمة وهي أنّ الإسلام أراد بالناسخ والمنسوخ من الأحكام التدرج بالناس من خزي الجاهلية ودناءتها بما كانت تحمل من أفكار رجعية وأمور قد تعوّد الناس عليها إلى علو ونهضة الإسلام، ومثاليته وقدرته على أن يكون مثالاً للمرجعية الفضلى، وحتى يُقدّم الإسلام للناس مثالاً واضحاً لحياة الإنسان كيف كانت بالجاهليّة، وكيف أصبحت بهذا الدين.
مصادر يعرف بها النسخ في الحديث
إنّ معرفة النَّاسخ والمنسوخ في الحديث والسُّنة يكون من طريق الحديث الّذي يثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصورة قطعيّة، وأن يكون النسخ واضحاً كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث مسلم:(نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)، ومن الناسخ والمنسوخ ما يثبت من طريق الصّحابي بإخباره عن حكم حدث فيه النسخ في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفعله، ومنها ماعرف بتقادم الإخبار وتاريخ الحديث، ومثال ذلك ما كان من حديث الترمذيّ رحمه الله من طريق شدّاد بن أوس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:((أفطر الجاجم والمحتجم)، وهنالك فيما ثبت بالطريق الصحيح بالبخاريّ (أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم احتجم وهو صائم)،فتبين أنَّ الحديث الأول كان في حدود سنة 8 للهجرة والثاني سنة 11 للهجره في حجّة الوداع فيكون الحديث الثاني ناسخاً ولاغياً للأول، وللناسخ والمنسوخ علماء يجمعون الأحاديث ويقاربون بينها، ويدرسون تواريخها ومعانيها وليس ذلك لأيِّ أحد، إلّا من كانت عنده صفات العلماء المجتهدين.