النفقة:
النفقة لغةً: اسم لما يصرفه الإنسان على عياله، وجمعها نِفَاق على وزن رقاب، ونفَقاَتُ أيضاً، ويقال نَفَقت الدراهم إذا فنيت، وبابه (تعب) ويقال نَفَقََت السلعة ونَفَقَت المرأة (نفاقا) إذا كثر طلابها وخطابها، ونافق الرجل إذا أظهر الإسلام وأخفى الكفر.
النفقة اصطلاحاً: هي الطعام والكساء والسكنى، وأطلقها البعض على الطعام فقط، حتى قال: يجب للزوجة على زواجها النفقة والكسوة والسكنى، وربما أطلقت على الطعام والكساء، فقيل: تجب لها النفقة والسكنى.
حكم النفقة وأدلته:
النفقة واجبة للزوجة على زوجها باتفاق الفقهاء، وهي أثر من آثار عقد الزواج، تتولّد عنده حكماً كالمهر، ولا تسقط باشتراط نفيها في العقد، بل يصح العقد، ويلغو الشرط، ويبقى وجوبها. أما أدلتها وهي من القرآن والسنة.
قال الله تعالى:” وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف“البقرة: 233 فإن المراد به الزوجات، وهو نص في الباب.
وأما السنة: ما جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، قوله صلى الله عليه وسلم: “أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ” رواه الترمذي وابن ماجه.
شروط وجوب النفقه الزوجية:
اختلف الفقهاء في بيان شروط وجوب النفقة للزوجة على زوجها، وكان اختلافهم شكلياً في بعض الأحيان، وإنني سوف أورد هذه الشروط على طريقة الحنفية، محاولاً بيان الاختلاف في ذلك قدر الإمكان.
- أن تُسلِّم الزوجة نفسها إلى الزوج بطلبها الانتقال إلى منزله، أو طلبها مجيئه إلى منزلها، أو بإظهارها استعدادها لتسليم نفسها، بحيث لا تمتنع عن ذلك إذا دعاها، فإذا رفضت تسليم نفسها إليه على الوجه المتقدم، لم يكن لها عليه نفقة، لأنها ناشز، هذا ما لم يكن امتناعها بحق شرعي، وإلا لم تكن ناشزاً، وتكون لها النفقة.
- أنّ تكون الزوجة صالحة للدخول بها بالجملة، بأن تكون كبيرة، أو صغيرة يمكن الدخول بها، أو الاستمتاع بها عامة، فإن كانت دون ذلك، فقد ذهب أبو يوسف إلى وجوب النفقة لها أيضاً إن انتقلت إلى بيته بالفعل، لأنه يُؤتنس بها، وهو المختار في المذهب، وإلّا فلا نفقة لها، وذهب الطرفان من الحنفية، إلى أنه لا نفقة لها وإن انتقلت إلى بيته، لعدم إمكان الدخول بها من قبلها.
- ألا يفوت حق الزوج في الدخول عليه بدون مبرر شرعي، وبدون سبب من جهته، فإن فات حق الزوج في الدخول عليه، فإن كان بمبرر شرعي، لم تسقط نفقتها عنه، وإن كان من جهتها لوجود المبرر، كما إذا كانت حائضاً أو نفساء، أو امتنعت عنه لعدم إيفائها مهرها المعجل المستحق، فإن امتناعها في ذلك عنه لمبرر شرعي.
- أن لا تكون ناشزاً، وذلك بالخروج من بيت الزوج بغير إذنه بدون مسوغ شرعي، أو منعه من الدخول إلى بيتها قبل أن تطلب منه مسكناً شرعياً.
- فلو خرجت بغير إذنه عُدّت ناشزاً وسقطت نفقتها مدة خروجها، ويستوي في ذلك خروجها المباح والمحرم، كما لو خرجت لطلب علم أو حج أو زيارة الأقارب، فإن كان ذلك بإذن الزوج، لم تكن ناشراً به، ولها النفقة، وإن كان بغير إذن الزوج، كانت ناشزاً وسقطت نفقتها حتى تعود إلى بيتها، وكذلك خروجها لغير هذه المصالح المشروعة، فإنها تُعدّ به ناشزاً من باب أولى، ولو خرجت من بيته لمنعه نفقتها، أو لطرده إياها، أو عدم استيفاء مسكنه الذي أعده لها الصفات الشرعية اللازمة، لم تعدَّ ناشزاً بذلك، ولم تسقط نفقتها.
وعلى ذلك الزوجة الموظفة التي تعمل بعض ساعات النهار خارج البيت، سواء كانت عاملة في مصالح الدولة أو في أعمال خاصة، كالطبيبة والقابلة، فإنها إن خرجت من بيتها لوظيفتها بإذن زوجها، لم تعد ناشزاً ولم تسقط نفقتها، وإن خرجت بغير إذنه، كانت ناشزاً وسقطت نفقتها حتى تعود إلى بيتها.
ولو شرطت عليه في العقد أن تبقى في عملها فرَضِيَ، ثم منعها بعد ذلك، كان منعه مشروعاً عند الحنفية والمالكية، فإن خرجت بغير إذنه سقطت نفقتها، وخالف الحنبلية، وقالوا بلزوم هذا الشرط ما لم يمنعها من القيام بواجباتها الزوجية، وإلا عُدّت ناشزاً وسقطت نفقتها أيضاً.