بداية حصار مدينة الطائف من قبل جيش المسلمين:
ثمّ واصل النبي محمد صلى الله عليه وسلم التحرك بجيش المسلمين نحو طريق مدينة الطائف، وذلك بعد أن بلغه أن قبيلة ثقيف قد اعتصموا به، وكانوا محاربين أشداء شديدي التعصب لما يعبدون ( اللات )، وهي التي قد جاء ذكرها في القرآن الكريم.
وقد عسكر سيدنا محمد القائد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف بجيشه وذلك تمهيداً لاقتحام قلاع مدينة الطائف في مكان مكشوف غير استراتيجي وقريب من الحصون الثقفية، وكانت ثقيف يجيدون الرمي بالسهام والنبل والرماح والقذف بالحراب من على الأبراج في المدينة، فما كاد جيش الإسلام والمسلمين يحط أثقاله في معسكره الأول حتى تعرض لقصف شديد من النبال والرماح التي انهالت على جيش المسلمين كأنّها سراب من جراد.
وقد أصيب من المسلمين وجيشهم نتيجة هذا القصف أناس كثير، الأمر الذي حمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف على أن يبدل معسكره، حيث عسكر في مكان بحيث يكون جنده في مأمن من سهام العدو وجندها.
وكان هذا التحول بمشورة المحارب المجرب الأنصاري الشهير الصحابي الجليل الخباب بن المنذر، صاحب الفكرة يوم واقعة غزوة بدر، والتي بموجبها غير النبي الشريف محمد صلى الله عليه وسلم الكريم عن موقعه الأول بعد أن عمل بمشورة الصحابي الجليل الحباب بن المنذر، فعسكر في أرض استراتيجية منها أدار النبي صلى الله عليه وسلم معركة بدر الكبرى وتم له الانتصار فيها.
كما كان كذلك الصحابي الجليل الحباب بن المنذر المشير على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في حصار اليهود يوم واقعة غزوة خيبر، بتغير موقعه الذي كان قد عسكر فيه لمحاصرة اليهود وأصيب من الصحابة بسهام اليهود التي قصفوهم بها من أبراج القلاع، خلق كثير، وكذلك فعل الصحابي الحباب في حصار مدينة الطائف، وذلك حين رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف يعسكر في مكان كان وجهه الخبير العسكري الحباب بن المنذر غير مناسب، لأن يكون معسكراً لفرض الحصار على حصون قبيلة ثقيف.
قال الواقدي: “ومضى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من حصن مدينة الطائف، فيضرب عسكره هناك، فساعة حل نبي الله صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف له والصحابة معه فجاءه الحباب ابن المنذر، فقال: يا نبي الله عليه افضل الصلاة والسلام إنّا قد دنونا من الحصن، فإن كان عن أمر سلمنا، وإن كان عن الرأي فالتأخر عن حصنهم”.
ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف حرص للاستماع والاخذ في النهاية برأي الحباب بن المنذر، حيث استدعاه وطلب منه ( بصفته خبير مجرب ) أن يختار مكانة صالحة لأن يعسكر فيه الجيش في مأمن، من سهام العدو . وذلك بعد أن أصيب عدد من جند جيش الإسلام والمسلمين بجراح من جراء قصف انتهى النبال الثقيفيّة .
وقد وصف أحد صحابة النبي الشريف محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الكبار الخيّار ممّن حضروا حصار مدينة الطائف وهو الصحابي الجليل عمرو بن أمية الضمری بداية الحصار، وتحويل موقع العسكر بمشورة الصحابي الحباب بن المنذر، قال عمرو: “لقد طلع علينا نبلهم ساعة نزلنا شيء الله به عليم. كأنه رجل من سراب جراد، وترسنا لهم، حتى أصيب ناس وجند من المسلمين وجيش الإسلام بجراحة، ودعا النبي محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف الحباب فقال: انظر مكانة مرتفعة مستأخرة عن القوم. فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد مدينة الطائف خارج من القرية، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف فأخبره، فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف أصحابه أن يتحولوا “.
قال عمرو بن أمية: “إني لأنظر إلى أبي محجن برمی من فوق الحصن بعشرته معابل كأنها الرماح والسهام ، ما يسقط له سهم. قالوا: وارتفع نبي الله صلى الله عليه وسلم الكريم عند مسجد مدينة الطائف اليوم، ويصفون خرافة جاهلية قبيحة لجأت إليها قبيلة ثقيف ضمن الدفاع عن حصنها. قالوا : وأخرجت قبيلة ثقيف امرأة ساحرة فاستقبلت الجيش بعورتها – وذلك حين نزل النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف – يدفعون بتلك الخرافة عن حصنهم”.
فلمّا تحول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الشريف منه إلى الأكمة التي اختارها الحباب بن المنذر ، وسار المسلمون إلى الحصن، فخرج أمام أعين الناس یزيد بن زمعة بن الأسود على فرسه، فسأل قبيلة ثقيف الأمان يريد أن يكلمهم، فأعطوه الأمان، ولكنّهم غدروا به، ذلك أنّه لما دنا من حصنهم رموه بالنبل والرماح فقتل، فكان أول شهيد من المسلمين في حصار مدينة الطائف.