إنَّ الله تعالى خلقَ الحياةَ وقدَّر أرزاقها، وقسَّمَها بينَ النَّاسِ بالعدلِ والميزانِ، وجعل اختيارَ الإنْسان لما فيها هو مقدِّمَةُ جزائه في الآخرةِ، ودخوله الجنَّةَ أوِ النَّارِ، ولكنَّ الجنَّةَ تحتاجُ إلى عملٍ وبعدِ عنِ المعاصِي، والنَّارُ موصدَةٌ لمنْ كانَ قدِ اختارَ طريقَ الضَّلالِ، ولكلِّ منَ الجنَّةِ والنَّارِ أصحابها الّتي أخبرنا عنها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في الصحيح: ((حدَّثنا زهيرُ بنُ حربٍ، حدَّثَنا إسماعيل بن إبراهيمَ ، عن أيُّوبَ، عنْ أبي رجاءٍ العُطارديِّ، قالَ: سمعتُ ابنَ عبَّاسٍ يقولُ: قالَ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (اطَّلَعتُ في الجنَّةِ، فرأيتُ أكثرَ أهلِها الفقراءُ، واطَّلعتُ في النَّارِ فرأيتُ أكثرَ أهلِها النِّساءُ).
ترجمة الحديث:
الحديثُ يرْويهِ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في الصَّحيحِ في كِتابِ الرِّقاقِ؛ بابُ أكثر أهل الجنَّةِ الفقراءُ، والحديثُ منْ طريقِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، ابنِ عمِّ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، منَ الصَّحابَةِ المكثرينَ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وأمَّا بقيَّةُ رجالِ الحديثِ فهم:
1ـ زهيرُ بنُ حربٍ: وهو زهيرُ بنُ حربِ بنِ شدَّاد البغداديُّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ تبعِ أتْباع التَّابعينَ، منْ (160ـ 232هـ).
2ـ إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ: وهوَ إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ الأسديُّ، منْ طبقةِ أتباعِ التَّابعينَ منْ(110ـ194هـ).
3ـ أيُّوب: وهوَ أيُّوبُ بنُكيسانَ السَّختيانيُّ، منَ المُحدِّثينَ المشهورينَ من طبقةِ أتباعِ التَّابعينَ من(68ـ131هـ).
4ـ أبي رجاءٍ العُطارديُّ: وهوَ عمرانُ بنُ ملحانَ منَ رواةِ الحديثِ منَ التَّابعينَ، وكانتْ وفاتُهُ في 105هـ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى بيانِ النَّبيِّ لأكثرِ أهلِ الجنَّةِ والنَّارِ بما اطَّلعَ عليهِ منْ علمِ الغيب، وقدْ أخبرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَ أكثرَ أهل الجنَّةَ همُ الفقراءُ، وسببُ ذلكَ يعودُ إلى قلَّةِ فتنة المالِ عندَهمُ لما للمالِ من فتنٍ وشهواتٍ، وقيلَ لما كانَ لهم منْ صبرٍ في الدُّنيا على محنِ الفقرِ فيجازونَ بصبرهمُ الجنَّةَ، كما اطَّلعَ النَّبيُّ على أهلِ النَّارِ فوجدَ أكثرَ أهلِها النِّساءُ، وقدْ وردَ سببُ ذلكَ في الحديث:قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( يا معشر النِّساءِ تصدَّقنَ، وأكثرنَ الاستغفار، فإنِّ رأيتكنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ) فقالتْ إمرأةٌ منْهنَّ جزْلَةٌ: وما لنا يارسول اللهِ أكثرَ أهلِ النَّارِ؟ قالَ: ( تكثرنَ اللعنَ وتكْفُرنَ العشيرَ، وما رأيتُ منْ ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ أغلبَ للّذي لُبٍّ منكنَّ).
ما يرشد إليه الحديث:
يرشدُ الحديثُ المذكورُ إلى عدَّةٍ فوائدٍ منها:
- أكثر أهل الجنَّة الفقراء لما لاقوه منَ الصَّبر.
- أكثرَ أهل النارِ النِّساءَ لكثرَةِ اللعنِ عندهنَ وكفرهمْ لأزواجهنَّ.
- علمُ النَّبيِّ لكثيرٍ منْ أمورِ الغيبِ بإذنِ اللهِ وعلمهِ.