لقدْ جاءَ الإسلامُ بمنظومةٍ في تأليفِ قلوبِ النَّاسِ بعضهِها ببعضٍ، ونهى عنْ كلِّ شيٍّْ يولِّدُ البغضاءَ والكراهية، فقرَّبَ بينَ النَّاسِ بأخوَّةِ الإسلامٍ وجعلها ميزاناً يتعاملونَ بها، فالمسلمُ أخو المسلمِ لا يبغضهُ ولا يهجرهُ ولا يغتابه، وسنعرضُ حديثاً ينهى عنْ هجرِ المسلمِ أخاهُ.
الحديث
يروي الإمامُ البخاريُّ يرحمهُ اللهُ في الصَّحيحِ: ((حدَّثنا عليُّ بنُ عبدِ اللهِ، حدَّثنا سفيانُ، عنِ الزُّهريُّ، عنْ عطاءِ بنِ يزيدَ اللّيثيِّ، عنْ أبي أيُّوبَ رضيَ اللهُ عنهُ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: (لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ، يلتقيانِ فيصدُّ هذا ويصدُّ هذا، وخيرهما الّذي يبدأُ صاحبهُ بالسَّلامِ). رقمُ الحديثِ:6237 )).
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ يرْويهِ الإمامُ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في صحيحه في كِتابِ الاستئذانِ، بابُ السَّلامُ للمعرفةِ وغيرِ المعرفةِ، كما ذكرهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في صحيحهِ في كِتابِ البرِّ والصِّلةِ، بابُ تحريمِ الهجرِ فوقَ ثلاثٍ بلا عذرٍ شرعيٍّ، والحديثُ المذكورُ منْ طريقِ الصَّحابيِّ الجليلِ أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ خالدُ بنُ زيدٍ الأنصاريُّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ منَ الصَّحابةِ المكثرينَ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أمَّا بقيَّةُ رجالِ الحديثِ فهم:
- عليُّ بنُ عبدِ اللهِ: وهوَ عليُّ بنُ عبدِ اللهِ السَّعديُّ البصريُّ (161ـ234هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ في روايةِ الحديثِ.
- سفيانُ: وهوَ سفيانُ بنُ عيينةَ الهلاليُّ الكوفيُّ (107ـ198هـ)، وهوَ منْ أتْباعِ التَّابعينَ في الرِّوايةِ.
- الزُّهريُّ: وهوَ محمَّدُ بنُ مسلمٍ الزُّهريُّ القرشيُّ (50ـ125هـ)، وهوَ منْ طبقةِ التَّابعينَ.
- عطاءٌ: وهوَ عطاءُ بنُ يزيدَ اللَّيثيُّ المدنيُّ (25ـ105هـ)، وهوَ منَ التَّابعينَ أيضاً.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى نهيِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ المخاصمةِ والهجرِ بينَ المسلمينَ، وإلى النَّهيِّ عنِ تركِ السَّلامِ عندَ اللِّقاءِ، والثَّلاثُ المذكورةُ في الحديثِ ثلاثُ ليالٍ، ولا يجوزُ للمسلمِ إذا مرَّ بأخيهِ المسلمِ أنْ لا يردَّ السَّلامَ، كما أخبرَ النَّبيُّ في أفضليةِ منْ يبدأُ صاحبهُ بالسَّلامِ عليهِ، كما ذكرَ العلماءُ أنَّ في هذا الحديثِ دليلٌ على وجوبِ السَّلامِ والنَّهيِّ عنْ تركهِ لمنْ يعرفهُ المبادرُ للسَّلامِ ومنْ لا يعرفه، وفيهِ الإشارةُ إلى تحريمِ الفرقةِ بينَ المسلمينَ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الدُّروسِ والعبرِ المستفادةِ منَ الحديثِ:
- المسلمُ أخو المسلمُ لا يفارقه ولا يهجره.
- وجوبُ السَّلامِ بينَ المسلمينَ.
- خيرُ المتخاصمينَ منْ يبدأ الآخرَ بالسَّلامِ.
- تحريمِ الإسلامِ لأسبابِ الفرقةِ والهجر.