لقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سيرَتِهِ داعياً إلى بناءِ مُجتمع إسلاميٍّ متراحمٍ متوادٍّ، لعلْمِهِ وهو وحيٌ يوحى أنَّهُ لا نجاحَ لأي مجتمعٍ وحضارَةِ دونَ أنْ يكونَ نسيجُهُ متراصٌّ متماسك، وسنعرضُ في بحثنا هذا حديثُ في أخوةِ المسلمينَ وتراحُمِهِم.
الحديث:
يروي الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في الصَّحيحِ: ((حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ نُميرٍ، حدَّثَنا أبي، حدَّثَنا زكرياءُ، عنِ الشَّعبيِّ عنِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مثلُ المؤمنينَ في توادِّهمْ وتراحُمِهمْ وتعاطُفِهمْ، مثلُ الجسَدِ، إذا اشْتكى منْهُ عضوٌ، تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى). رقمُ الحديثِ: 2586)).
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ يرْويهِ الإمامُ مسلِمُ بنُ الحجَّاجِ في الصَّحيحِ، في كتابِ البرِّ والصِّلَةِ والآدابِ، بابُ تراحُمِ المؤمنينَ وتعاطفهم وتعاضدهم، ويبدأُ سنَدُ الحديثِ بمُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ نُميرُ الهمَدانيِّ منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ، ويرْويهِ منْ طريقِ أبيهِ عبدِ اللهِ بنِ نُميرٍ منْ طبقَةِ أتْباعِ التَّابعينَ، وبرويهِ عبدُ اللهِ منْ طريقِ زكرياءَ وهوَ زكرياءَ بنِ أبي زائدَةَ منْ أتْباعِ التَّابعينَ أيضاً، ويرويهِ زكرياءُ عنْ الشَّعبيِّ وهو عامرِ بنِ شراحيلَ الشَّعبيِّ منَ التَّابعينَ، ليصلَ سنَدُ الحديثِ إ‘لى زمنِ الصَّحابَةِ لِيُرْوى منْ طريقِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ الأنْصاريِّ المَدَنيِّ منَ المُحدِّثينَ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ المذكورُ إلى صفةِ ترابُطِ المُسْلمينَ بأخوَةِ الإسْلامِ، وجاءَ ذلكَ بأسْلوبِ ضربِ الأمْثالِ الّذي يقرِّبُ المعنى والمقصودِ للسَّامِعِ، وقدْ ضربَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مثلُ المؤمنينَ في تعاضُدِهمْ وشعورهمْ ببعضِهمِ البعضُ كمثلِ الجسَدِ الواحدِ نسبَةً إلى تماسُكِ جوارحهِ وإكتمالها ببعضِها البعضِ، والجسَدُ إذا لحقَ بأحَدِ جوارحهِ التَّعبُ والمرضً فإنَّهُ يؤثِّرُ على الجوارحِ فيصيبُها ما أصابَهُ منَ التَعبِ، وجاءَ التشبيه بالجَسَدِ وجوارحِهِ الَّتي تشْتكي كُلُّها بشكوى جزءٍ منْها، وهي دعوةُ منَ النّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للمؤمنينَ بالوقوفِ صفاُ واحداُ، يشعرونَ ببعضِهمْ ، فيساعِدُ القويُّ الضَّعيفَ، ويحنُّ الكبيرُ على الصَّغيرِ، ويساعدونَ بعضهم البعضِ، ليكونوا مجتمعاً متماسكاً لهُ هيبتُهُ وكيانُهُ، لذلكَ كانَ المجتمعُ الإسلاميُّ الّذي ربَّاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على هذه الأخلاقِ مجتمعاً قوياً، سادَ الشُّعوبَ بأخلاقِهِ وفتحَ مشارقَ الأرضِ ومغارِبها، مجتمعُ سادت بهِ الألفَةُ والمحبَّةُ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ العبرِ المستفادَةِ منَ الحديثِ:
- المؤمنين صفاُ واحداً متماسكاُ كالبنيانِ المرصوصِ.
- لا يبخلُ المؤمنُ على أخيهِ بقدرِ استطاعتِهِ.
- المؤمنونُ يشعرونَ ببعضهم، ومن لم يشعر بأمر المؤمنينَ فليس منهم.