لقدْ جاءَ في الحديثِ النّبويُّ الكثيرُ منَ الشّواهدِ الّتي تبيُّنُ كثيراً منْ أعجازِ اللهِ سبحانهُ وتعالى في الخلقِ، ومنها ما جاءَ تأكيداً للقرآنِ الكريمِ في كثيرٍ منَ الإعجازات الغيبيِّة كتجميعِ خلقِ الإنْسانِ في بطنِ أمِّهِ، وسنعرضُ من الحديث النّبويِّ ما يوضّحُ جمعَ الإنْسانِ وخلقهِ في بطنِ أمِّه.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا الحسنُ بنُ الرّبيعِ، حدّثنا أبو الأحوصِ، عنِ الأعمشِ، عنْ زيدِ بنِ وهبٍ، قالَ عبدُ اللهِ: حدّثنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهوَ الصّادقُ المصدوقُ، قال: (إنَّ أحدكمْ يجمعُ خلقهٌ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يوماً، ثمَّ يكونُ علقةٌ مثلَ ذلكَ، ثمَّ يكونُ مضغةً مثلَ ذلكَ، ثمَّ يبعثُ اللهُ ملكاً فيؤمرُ بأربعِ كلماتٍ، ويقالُ لهُ: اكتبْ عملهُ ورزقَهُ وأجلهُ، وشقيٌّ أوْ سعيدٌ، ثمَّ ينفخُ فيهِ الرّوحُ، فإنَّ الرّجلَ منكم ليعملُ حتّى ما يكونُ بينهُ وبينَ الجنّةِ إلّا ذراعٌ، فيسبقُ عليهِ كتابهُ فيعملُ بعملِ أهلِ النّارِ، ويعملُ حتّى ما يكونُ بينهُ وبينَ النّار إلّا ذراعٌ، فيسبقُ عليهِ الكتاب فيعملُ بعملِ أهلِ الجنّةِ). رقمُ الحديث:3208)).
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريّ في الصّحيحِ في كتابِ بدءِ الخلقِ؛ بابُ ذكرِ الملائكةِ، والحديثُ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ أبو عبدِ الرّحمنِ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ الهذليُّ (ت:32هـ)، وهوَ منَ الصّحابةِ المكثرينَ في روايةِ الحديث، أمّا بقيّةُ رجالِ الحديث:
- الحسنُ بنُ الرّبيعِ: وهوَ أبو عليٍّ، الحسنُ بنُ الرّبيعِ بنِ سليمانَ البَجليُّ (ت:220هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ منْ تبعِ أتْباعِ التّابعينَ.
- أبو الأحوصِ: وهوَ سلّامُ بنُ سليمٍ الحنفيُّ (ت:179هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ الثّقاتِ منْ أتباعِ التّابعينَ.
- الأعمشُ: وهوَ أبو محمّدٍ، سليمانُ بنُ مهرانَ الأسديُّ والمعروفِ بالأعمشِ (61ـ145هـ)، وهوَ منْ كبارِ المحدّثينَ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
- زيدُ بنُ وهبٍ: وهوَ أبو سليمانَ، زيدُ بنُ وهبٍ الجُهنيُّ (ت:96هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ الرّوايةِ منَ التّابعينَ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى إعجازٍ منْ إعجازاتٍ الحديثِ النّبويُّ والمؤكّدةِ لما جاءَ في القرآنِ الكريمِ في تجميعِ خلقِ الإنْسانِ في بطنِ الأمِّ، وقدْ أشارَ الحديثُ إلى أنَّ بدايةَ الخلقِ بتجميعِ الإنسانِ مدّةَ أربعينَ يوماً ليصبحَ بعدَ ذلكَ علقةً، والعلقةُ هوَ قطعةُ الدّمِ المتجمّدةِ، ثمَّ تتطوّرُ العلقةُ إلى مضغةٍ شبيهةٍ بمضغةِ أكلِ الإنسانِ وتكونُ قطعةٌ منَ اللّحمِ.
ثمَّ بعدَ ذلكَ يأمرُ اللهُ تعالى ملكاً فينفخُ الرّوحَ في هذا الخلقِ، ويأمُرُ أيضاً بكتابةِ عملهِ وأجلهِ ورزقهُ وهل هو شقيُّ منَ الأشقياءِ أو سعيداً منَ السّعداءِ، وهذا علمٌ مسبوقٌ للهِ تعالى، أيْ أنَّ اللهَ تعالى بعلمهِ القديمِ يعلمُ ما يكونُ منَ الإنْسانِ قبلَ خلقهِ، ثمَّ يشيرُ الحديثُ إلى خاتمةِ عملِ الإنسانِ، فمنَ الخلقِ منْ يعملُ الصّالحَ منْ عملِ أصحابِ الجنَّةُ فيتغيّر عملهُ ويتبدّلُ بعملِ أهلِ النّارِ، والعكسُ منْ ذلكَ، وفي هذا دعوةٌ للإنسانِ إلى المثابرةِ بالعملِ الصّالحِ والثّباتِ على الإسلامِ والإيمانِ والعملِ الصّالحِ، وأنْ يسألَ اللهَ حسنَ الخاتمةِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- صدقُ النّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما أخبرهُ للصّحابةِ منْ علمِ الغيب.
- عظمُ قدرةِ اللهِ تعالى وصنعهُ في خلقِ الإنسانِ.