رحلة الإسراء والمعراج

اقرأ في هذا المقال


بعدَ دعوةِ النبي -عليه الصلاة والسلام- لقومِهِ، لاقى منهم الصَّدَ والإعراضَ، حتى وصلَ بهمُ الحالُ إلى مقاطعةِ بني عبد المُطلب، حتى يقوموا بتسليمِ رسولِ اللهِ لقتلِهِ، وبعدَ هذا الحصار كانَ عامُ الحزن؛ وسُميَ بذلكَ لحدوثَ أمرين أحزنا رسول الله، وهي وفاةُ عَمِّه أبو طالب، وزوجتهُ خديجة بنت خويلد، وكانا خيرُ مؤنِسٍ لرسولِ الله، فحزن رسول الله لذلك حُزنًا شديدًا، فخرجَ بعدها رسولُ الله في رحلةٍ للطائفِ، والتي تُعَدُ أكبر القبائلِ بعدَ قُريش، لكنَّها لوقيت بالإعراضِ، وعدمِ الاستجابةِ، وبعد ما مرَّ بهِ رسول الله من ظروفٍ عصيبةٍ، جاءت المواساةُ الإلهيّةُُ، والتكريمُ والتثبيتُ لرسول اللهِ، لتجلو أحزانَهُ، فأكرمَهُ الله -تعالى- و برحلة الإسراء والمعراج.

ما هي رحلة الإسراء والمعراج:

قد أُسريَّ برسول الله وصعدَ إلى السموات، ودليلُ ذلكَ قولُ تعالى:“سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” صدق الله العظيم، ولا يكونُ هذا إلّا بالروحِ والجسدِ، فأنعم اللهُ على رسوله بعدَ صعاب والمحن التي لاقها من قومِهِ، بما يروِحُ بهِ عن نفسِهِ، ويزيلُ غمامةَ قلبِهِ بعدِ هذا الحزن، فكانت رحلة الإسراء والمعراج، ويُعرفُ الإسراءُ بأنَّهُ إرسالُ الله وبعثِهِ لنبيهِ محمد من المسجدِ الحرامِ في مكةَ المُكرمةَ، إلى المسجدِ الأقصى في القُدس، في وقتٍ من الليلِ، وعودتُهُ في نفسِ الليلةِ، وأمّا المعراجُ فهو صعودُ رسول الله من المسجدِ الأقصى، إلى السمواتِ السبعِ وما فوقها، ثُمَّ رجوعِهِ إلى المسجدِ الأقصى في نفسِ الليلةِ، وقد فرضَ الله -تعالى- الصَّلاةَ على نبيهِ في هذهِ الرحلة، وكانت هذهَ الحادثتين؛ أيّ الإسراء والمعراج في نفسِ الليلة.

نهر الكوثر:

شاهد رسول الله في هذهِ الرحلة، نهرَ الكوثر، وهو نهرٌ مخصوصٌ لَهُ، من بابِ التكريمِ، ، ورأى رسول الله في رحلتِهِ الجنة ونعيمها، كما ورأى من أنواعِ العذابِ في نارِ جهنم الصنوف الكثيرة ، وَتُعدّ رحلة الإسراء والمعراج من مُعجزاتِ رسول الله، ولم تكن لغيرِهِ من البشرِ، ومن أبرزِ ما يُلتفتُ إليهِ في هذهِ الرحلة، هو فضلُ رسول الله وتكريمِ الله -تعالى- لَهُ، وأنَّ الإسلامَ هو الدينُ الذي فطرَ الله -تعالى- النّاسَ عليهِ، وأنَّ الصَّلاة هي عبادةٌ عظيمةٌ ولها أهميةٌ بالغةٌ في الإسلامِ، حيثُ فرضها الله -تعالى- على نبيهِ في السماء السابعةِ، وفُرضت دونَ واسطةِ الوحي، ففرضها الله -تعالى- مباشرةً على نبيهِ، وكما بينت هذهِ الرحلة أهميةَ المسجدِ الأقصى للمسلمين.

موقف قريش من رحلة الإسراء والمعراج:

عاد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من رحلة الإسراء والمعراج مبهورًا بما رأى مستصغرًا الأحزان والشدائد مقابل الجنة ونعيمها ورؤية الله -جلّ جلاله- لكن شعر النبيّ الكريم بالقلق حيال تصديق قريشٍ لتلك الرحلة والتي تستغرق شهرًا كاملًا من مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، وانقسم الناس حيال رحلة الإسراء والمعراج إلى أقسامٍ ثلاثةٍ هم: كفار قريشٍ وحديثو العهد بالإسلام من المسلمين والقسم الثالث الصحابة الذين رسخ الإيمان في قلوبهم.


أمّا موقف قريش من رحلة الإسراء والمعراج فقد تمثَّل في فرعون هذه الأمة أبو جهل الذي جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة الإسراء ورأى انشغال بال النبي الكريم فطلب منه إخباره الخبر، فحدثه النبي -عليه الصلاة والسلام- برحلة الإسراء دون المعراج كون ما يهم هو إقامة الحجة والدليل عليهم أما المعراج فهو أمر غيبيٌّ لا يؤمن بالغيب إلا من نطق بالشهادتيْن وآمن إيمانًا حقًّا بالله ورسوله، وعندما اُخبر أبو جهلٍ خبر الرحلة رأى فيها فرصةً سانحةً للسخرية من النبي -صلى الله عليه وسلم- وتأليب الناس عليه، فاقترح أبو جهلٍ على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يجمع له قريشًا ليخبرهم خبر تلك الرحلة، وعندما قصَّ عليهم القصص ازداد كفار قريشٍ كفرًا واستهزاءً وسخريةً بما رفضت عقولهم تصديقه على الرغم من تقديم النبي -صلى الله عليه وسلم- للأدلة المُبرهنة على صدقه ومنها وصفه الدقيق للمسجد الأقصى والذي يعجز عنه شخصٌ لم يره بأُم عينه كما أخبرهم عن أمر القافلة القادمة إلى مكة وزمن وصولها ووقع الأمر كما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-.

دروس من رحلة الإسراء والمعراج:

  • افتتاح سورة الإسراء المُخبرة عن هذه الرحلة بلفظ “سبحان” في إيماءةٍ إلى وجوب تعظيم الله وتنزيهه بما هو أهل له في بداية كل أمرٍ وعلى كل حالٍ، إثبات عبوديّة النبي -صلى الله عليه وسلم- لله تعالى وهو شرفٌ له ولسائر الناس.
  • إثبات القدرة الكاملة لله تعالى على حَمل النبي -عليه الصلاة والسلام- في رحلة الإسراء ثم رحلة المعراج إلى السماء، ووجوب الإيمان بها كما أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن خلق الكون وما فيه فهذه الرحلة عليه أيسر وأهون.
  • طَمْأنة قلب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى أنّ مصاعب الدنيا تهون أمام نعيم الجنة ورؤية رب العباد وبالتالي طمأنة المؤمنين بالله إلى حسن منقلبهم لمن رضي الله عنه.
  • التأكيد على إمامة النبي -عليه الصلاة والسلام- للأنبياء والمرسلين كافّة، إذ أمَّ بهم الصلاةَ في المسجد الأقصى، كما أكّدت هذه الرحلة على أنّ توحيد الله وإفراده بالعبوديّة أساس كل الرسالات، وأنّ الدينَ الذي يقبله الله من العبد هو دين الإسلام الباقي لقيام الساعة.
  • الإقرار بشجاعة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لإخبار قريش بهذه الرحلة في صبيحة اليوم التالي لها على الرغم من معرفته لموقفهم منها وسخريتهم لما يتعارض مع قدرة عقولهم على إدراكه بالمنطق الملموس.

شارك المقالة: