رحمة النبي الكريم محمد -عليه الصلاة والسلام بالحيوان

اقرأ في هذا المقال


كيف كانت رحمة الرسول عليه الصلاة والسلام بالحيوان؟

كلما قلبنا في النظر في السيرة العطرة والشمائل الكريمة للحبيب المصطفى سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نجد الكمال في أخلاقه عليه الصلاة والسلام، ونجد السمو في تعاملات النبي في كل حياته مع كل البشر، فكمالات خُلُق سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي آية كبرى، وهي أيضاً علامات من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، وقد مدحه الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم وذلك بقوله سبحانه وتعالى:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) . وأيضاً من الكمال والجمال الخُلُقي الذي تحلى وتجمل به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم – هو خُلُقُ الرحمة والرأفة.
ومن رحمة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهديهِ بالطير وأيضاً بالحيوان هو أنه أمر بعدم جواز تعذيبها وعدم تجويعها أو تكليف تلك الكائنات يما لا تطيق ولا تقدر، وعدم اتخاذ الحيوان هدفاً حتى يرمى إليه، بل أنه عليه الصلاة والسلام قد حرم سبها ولعنها، وهذا الأمر هو أمر لم ترق إليه الإنسانية في أي وقت من الأوقات قبل ذلك، ولا حتى في هذا العصر، والذي كثرت فيه العديد من الكتابات عن الرفق بالحيوان.
كما أن من مظاهر صور الرحمة بالحيوان في سيرة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر يطول كثيراً، لأنه قد تعددت مظاهر وصور رحمة النبي الكريم محمد بالحيوان، فقد نهي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ أي شيء فيه الروح غرضاً حتى يُتعلم فيه الرمي، فعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ قال : “مَرَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر : من فعل هذا؟، لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا “( مسلم ).
ومن المظاهر على ذلك هو ما روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ :” أنه دخل على يحيى بن سعيد وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها ، فمشى إليها ابن عمر حتى حلها، ثم أقبل بها وبالغلام معه، فقال : ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل “( البخاري ) . والتصبير : أن يحبس ويرمى .
ومن رحمة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قد نهى أن يُفرق أحد بين الحيوان وبين ولده، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : “كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِّشُ(ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها )”( أبو داود ).
ومن صور ومظاهر رحمة الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان هو نهيه عليه الصلاة والسلام عن المُثْلة بالحيوان، ويعني بذلك هو قطع قطعة من أطراف جسمه وهو على قيد الحياة، وقد لعَن النبي من يقوم بفعل ذلك، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ” أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن من مَثَّل بالحيوان “( البخاري ).
ومن الأحاديث الدالة على ذلك هو ما روي عن جابر – رضي الله عنه – : “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مر عليه حمار قد وُسِمَ (كوي) في وجهه، فقال: لعن الله الذي وسمه “( مسلم ). 
ومن صور رحمة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان، أنه عليه الصلاة والسلام قد بين لنا أن الإحسان إلى البهيمة (الدابة) هو من موجبات المغفرة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى(التراب) من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر “( البخاري ).
والذي هو أعجب من هذا ما روي عن أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: “قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:  بينما كلب يطيف بركية (بئر)، قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها(خُفَّها)، فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به “(البخاري).
وأيضاً في المقابل أوضح لنا النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – أن الإساءة إلى البهائم وعدم الإحسان إليها ربما يودي بالعبد إلى نار جهنم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “دخلت إمرأة النار في هِرَّة(قطة)، ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا “( مسلم ) .

 وقد أمر النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعاملة الحيوان بأسلوب الرفق، فقد استصعب جمل على أصحاب النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، فأعاده النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى حالته الأولى من خلل الرفق واللين.
فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : “كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون(يسقون عليه)، وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: قوموا، فقاموا، فدخل الحائط (البستان)، والجمل في ناحيته، فمشى النبي – صلى الله عليه وسلم ـ نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، قد صار مثل الكلب، نخاف عليك صولته، قال: ليس عليَّ منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذا بهيمة لا يعقل يسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك؟ قال : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها “( أحمد ) .
ومن صور رحمة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قد أمر بالإحسان إلى البهيمة (الغنم والخرفان) في حالة ذبحها، وقد أثنى النبي محمد على من فعل ذلك، بل أنه قد نهى أن تحد آلة الذبح أمامها (إظهار آلة الذبح أمامها)، فعن شداد بن أوس – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته “( مسلم ) .


شارك المقالة: