جاء الرسم الموجود في المصحف وما كان يتعلق به من الضبط تنقيط المصحف الذي يُساعد على القراءة بشكل صحيح ، فيبدو أنه بدأ منذ فترة مبكرة من عصر الصحابة فقد ذكر الإمام الداني في «كتابه المحكم» عن الإمام الأوزاعي (بأن القرآن كان مجرداً في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه النقط على الياء والتاء وقالوا لا بأس به هو نور له ، ثم أحدثوا فيه نقاطا عند منتهى الآي ، ثم أحدثوا الفراغ والخواتم).
وقد وصف قتادة الصحابة رضوان الله عليهم (بدءوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا) – قال العلماء: وتعني تقسيم المصاحف إلى أجزاء وأحزاب وأرباع، وهو تقسيم اصطلاحي اجتهادي- وقد تكلم الداني على هذه العبارة التي تدل على أن كبار الصحابة ومن تبعهم من التابعين رضوان الله عليهم هم المبتدئون بالنقط ورسم الخموس والعشور؛ لأن حكاية قتادة لا تكون إلا عنهم ، إذ هو من التابعين ، وقوله بدءوا… الخ دليل على أن ذلك كان عن اتفاق من جماعتهم.
هذا فيما يتعلق بكيف نشأ التنقيط ، أما تأليف النقط فيه فقد ذكر الداني أيضا أن هناك كتاب مختصر لأبي الأسود الدؤلي في تنقيط المصحف وقد روى لنا رواية تتكلم عن بدء وضعه التنقيط وذلك أنه قد اختار شخصاً من قبيلة بني عبد القيس وقال له: (خذ المصحف مصبغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتيّ فانقط واحدة فوق الحرف وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله فإذا اتبعت شيئاً من هذه الحركات غنه ـ ويريد بالغنة التنوين ـ فانقط نقطتين. فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره ، ثم وضع المختصر المنسوب إليه.
أول من صنف في رسم المصحف:
ذكر الإمام الرزركشي أن أول من صنف في النقط ورسمه في كتاب وذكر علله فهو الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٠ ه) ، ثم قال: وبعد ذلك أبو محمد ، يحيى بن المبارك اليزيدي العدوي (ت ٢٠٢ ه) ثم عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي (ت ٢٣٧ ه) ، وأبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد (ت ٣٢٤ ه) ، وألّف فيه أبو بكر بن الأنباري ، ثم أبو الحسن أحمد بن جعفر بن المنادي (ت ٣٢٤ ه) ، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن أشتة (ت ٣٦٠ ه) ، وأبو الحسن علي بن محمد بن بشر الأنطاكي (ت ٣٧٧ ه) ، وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت ٣٨٤ ه).انتهى كلامه رحمه الله تعالى.