صلاة رسول الله :
كان رسولنا محمد صلّى الله عليه وسلم شاكرًا لكل نِعَمِ الله الكريمة العظيمة، والتي وهبها ورزقها اللهُ سبحانه وتعالى له وأحاطه بها أيضاً.
فقد كان واقع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينسجم مع ما أعطاه ووهب له الله سبحانه وتعالى من نِعَمٍ وفضل كبير، حينها لم يكن شكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجرَّد كلمات شكر تقال فقط، بل إنّ الحمد والشكر كان واقعًا حيًّا مَعِيشًا، فقد كان رسول الله في سيرة حياته راكعًا ساجدًا عابدًا لله سبحانه وتعالى، وكان فاعلاً للخير، وأيضاً مسبِّحًا بحمد وشكر الله تعالى، حيث كان مُتَّبِعًا في هذه الآيات القرآنيَّة الكريمة والتي تحضُّ وتَحُثُ على العبادة والحمد والشكر، ومن هذه الآيات هو قول الله سبحانه تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” …سورةالحج: 77.
النبي والصلاة:
فقد ذُكرت العديد والكثير من الأحاديثُ والمواقفُ التي فَسَّرت وأبانت وأظهرت حقيقة عبادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لربِّه جلَّ وعلا، فعن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّ نبي الله محمد صلَّى الله عليه وسلم: “كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر( تتشقق) قدماه، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! قال: أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا”.
وقد أظهر ذلك الردُّ الجميل والرائع من خير الخلق رؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمسألة موضوع العبادة، فالنّبي الكريم لا يرى العبادة تكليفًا ربَّانيًّا فقط، بل إنّ النّبي يقوم بهذه العبادة عن حُبٍّ عميق وإرادة، كنوع من الحمد والشكر العميق للإله القدير العظيم الذي أعطى ووهب ومنح، وذلك يُفَسِّر أيضًا طول عبادة النّبي وأيضاً شِدَّة إرهاقه لنفسه فيها.
حيث تصف السيدة عائشة -رضي الله عنها- في رواية وحديث آخر كيفية صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الليل، حيث قالت: “إِنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاتُهُ (وتقصد في اللَّيْلِ)، فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلاةِ”.
فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يَجِدُ راحته من خلال الإكثار من الصلاة وأيضاً الإكثار من قراءة القرآن الكريم، فيقول حذيفة: “صلَّيْتُ مع النبي ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المائة، ثم مضى ( أكمل)، فقلتُ: يُصَلِّي بها في ركعة، فمضى، فقلتُ: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسِّلاً؛ إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع، فجعل يقول: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ”، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: “سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ”، ثم قام طويلاً قريبًا ممَّا ركع، ثم سجد، فقال: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى”. فكان سجوده قريبًا من قيامه”.
وكان رسولنا الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم يُكثر من قيامه في الليل؛ لما يجد في القيام من الخلوة بينه وبين ربِّه عزَّ وجل؛ لهذا قال عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم : “أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ”.
ومن شِدَّة وكَثرة حُبِّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقيام الليل كان النّبي يقضيه في الصباح إذا فاته القيام لسبب أو لإمر ما، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: “كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً”.
وهذا الحُبُّ العميق لعبادة الله (وخاصَّة عبادة الصلاة) يُفَسِّر أيضًا قول رسول الله لبلال بن رباح : “قُمْ يَا بِلالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلاةِ”، ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حديث آخر: “وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ”.
ولا غَرْوَ( لا غرو تعني لا عجب) أنَّ نِعم الله سبحانه وتعالى وعطاياه وفضله تستتبع حمدًا وشكراً كثيراً وجزيلاً، وهذا الذي كان يقوم به رسولنا محمد صلَّى الله عليه وسلم؛ فكان دائماً لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلم رطبًا بذِكْرِ الله العظيم والرزاق الكريم وحَمْدِه وشكره على نِعمه وأفضاله سبحانه وتعالى، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: “كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ”.