سجود الشكر

اقرأ في هذا المقال


معنى السُّجود لغة: السُّجود لغةً مأخوذ من الانحناء والخضوع ووضع الجبهة على الأرض.
أمَّا السُّجود اصطلاحاً: فهو وضع الأعضاء السَّبعة فوق ما يُصلّى عليه من أرض أو غيرها.
والشُّكر لغة: يأتي بمعانٍ أربعة متباينة ما يهمنا ، منها وافق المعنى الاصطلاحي وهو الثناء.
أما الشُّكر اصطلاحاً: فهو صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى به عليه من السَّمع وغيره إلى ما خلق لأجله.

تعريف سجود الشكر

تدور تعريفات الفقهاء لسجود الشُّكر حول معنى واحد تقريباً، وهو ُشكر الله تعالى سواء كان على هجوم نعمة، أم كان على دُحورِ نقمة، ومن هذه التعريفات: السُّجود الذي يؤدَّي عند حصول خير شكراً لله تعالى، وهو سجدة واحدة كسجود الصلاة.

آراء الفقهاء في سجود الشكر

اختلف الفقهاء فيما بينهم في حكم سجود الشُكر ما بين سنيتَّه وعدم مشروعيته وفيمايلي بيان ذلك:

  • ذهب علماء الحنفيَّة إلى أنَّ سجدة الشُكر مسنونة، وهذا رأي الصَّاحبين، وعليه الفتوى،
    قال الإمام الحصكفي: وسجدة الشُّكر: مستحبَّة.
  • أما الإمام أبو حنيفة فلا يراها مشروعة، واختلف علماء الحنفيَّة في معنى ذلك بين من قال أنَّ الإمام لا يرى سنيَّتها، وبين من قال لا يرى وجوبها، وحجَّة الصاحبين ورودها عن الصَّحابة رضوان الله عليهم، كأبي بكر وعمر وعلي.
  • أمَّا المالكية فقد ذهبوا في مشهور مذهبهم إلى كراهة سجود الشُّكر،
    قال الإمام ابن الحاجب رحمه الله تعالى: ويكره سجود الشُّكر على المشهور.
    وجاء في المدوَّنة: قال ابن القاسم وسألت مالكاً عن سجود الشُّكر يبشر الرجل ببشارة فيخرُّ ساجداً؟ فَكُره ذلك.
  • وذهب الشَّافعية والحنابلة والظاهرية إلى أن سجود الشُكر مستحب.
    قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: وَسُنّ سجدة للشُّكر كسجدة التِّلاوة خارج الصَّلاة، عند هجوم نعمة كحدوثِ ولدٍ، أو جَاه، أو مَال، أو قدوم غائب، أو عند اندفاع نقمة كنجاة من غرق، أو حريق.
  • وقال الإمام المرداوي: ويستحبُّ سجود الشُّكر هذا المذهب مطلقاً، وعليه الأصحاب.
    وقال أيضاً المرداوي: ” فائدة : الصَّحيح من المذهب: أن يسجد لأمرٍ يخصُّهُ نصّ عليه وجزم به في الرِّعاية الكبرى، وهو ظاهر أكثر كلام الأصحاب.
    هناك أدلَّة على آراء الفقهاء في سجود الشكر.
    – استدل الإمام أبو حنيفة على عدم مشروعية سجود الشُكر بمايلي:
    أولا: السَّجدة الواحدة ليست بقربة إلا سجدة التلاوة.
    ثانياً: أنَّها لو وجبت لوجبت في كل لحظةٍ؛ لأنَّ نعم الله تعالى على العبد متواترة بمعنى أنَّها لا تنتهي.
    – أمَّا الإمام مالك فقد استدلَّ بالآتي:
    أولاً: أنَّه سجود الشُّكر ليس ممّا شرع في الدين فرضاً ولا نفلاً؛ إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه، ولا فعله، ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله، والشرائع لا تثبت إلَّا من أحد هذه الوجوه.
    ثانياً: أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلم، لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده؛ ولو كان لنقل؛ إذ لا يصحُّ أن تتوفَّر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدِّين وقد أمروا بالتبليغ.
    ثالثاً: أنَّ ما قصَّ الله تعالى علينا من سجود داوود عليه الصلاة والسلام، بقوله( وَخَرّ راكعاً وَأنابَ).
    وعن بعض الصَّحابة رضوات الله عليهم لا دليل فيه؛ إذ ليست سجدة شُكر، وإنَّما هي سجدة توبة، وعلى فرض التَّسليم فهذا شرع من قبلنا.
    – واستدلَّ جمهور الفقهاء ممَّن ذهب إلى سُنيَّة سجود الشُّكر بالآتي:
    أولاً: القرآن الكريم:((  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77) .الحج
    وهذا أمر عام بفعل الخير وبالسُّجود فيدخل فيه سجود الشُكر، قال ابن حزم: مسألة : سجود الشُكر حسن، إذا وردت لله تعالى على المرء نعمة فيستحب له السجود، لأنَّ السُّجود فعل خير، وقد قال الله تعالى: (( وَافْعَلُوا  الْخَيْرَ)) الحج “77”.
    ثانياً: السنَّة النبوية المطهرة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، الكثير من الأحاديث التي روت سجوده عليه الصلاة والسلام شكراً لربِّه عزوجل، ومن هذه الأحاديث.
    ما رواه أبو داوود في سُننه عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلم قال: 1496 – وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من مكَّة نريد المدينة ، فلمَّا كنَّا قريباً من عزوزاء ، نزل ثمَّ رفع يديه ، فدعا الله ساعة ، ثمَّ خرَّ ساجداً، فمكث طويلا ، ثمَّ قام فرفع يديه ساعة ، ثمَّ خرَّ ساجداً، فمكث طويلاً ، ثمَّ قام فرفع يديه ساعةً، ثمَّ خرَّ ساجداً، قال : إنِّي سألت ربي ، وشفعت لأمتي ، فأعطاني ثلث أمَّتي ، فخررت ساجداً لربي شكراً ، ثمَّ رفعت رأسي ، فسألت ربي لأمتي، فأعطاني ثلث أمَّتي ، فخررت ساجداً لربي شكرا ، ثم رفعت رأسي ، فسألت ربي لأمتي، فأعطاني الثلث الآخر ، فخررت ساجداً لربي شكراً )). رواه أحمد ، وأبو داود .
    – وأجابوا على دليل أبي حنيفة بأنَّها لو وجبت سجدة الشُّكر لوجبت في كل لحظة؛ لأنَّ نِعَم الله على العبد متواترة.
    – وأجابوا على دليل الإمام مالك بأنَّه لم يرد وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بأنَّ سجود الشُّكر ورد فعله من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما من أنّه صلّى الله عليه وسلم:(( أنّه كانَ إذا جاءه أمرُ سرورٍ أو بُشِّر به خَرَّ ساجداً شاكراً لله)). “حسّنه الترمذي وصححه الحاكم”.

شروط صحة سجود الشكر

  • ذهب جمهور الفقهاء ممَّن استحبَّ سجود الشُّكر إلى اشتراط الطَّهارة فيه
    قال الإمام الهوتي: وصفة سجود الشُّكر وأحكامه كسجود التلاوة.
    قال ابن حجر: سجدة الشُّكر كسجدة التِّلاوة المفعولة خارج الصلاة في كيفيتها، وواجباتها، ومندوباتها.
    فلا بُدّ في سجود الشُّكر من تحقُّق شروط وهي: ستر العورة واستقبال القبلة وأيضاً الطَّهارة.
  • وذهب بعض المالكيَّة والظاهريَّة إلى أنَّ سجود الشُّكر لا يحتاج إلى طهارة؛ وعلل من قال ذلك من المالكيَّة بأنّ الالتزام بالطَّهارة عند عدم وجودها يفوِّت وقت السُّجود،
    قال الإمام الحطَّاب: سجود الشُّكر على القول به يفتقر إلى طهارة.
    وقال الإمام ابن حزم: إنَّ قراءة القرآن والسُّجود فيه، ومسُّ المصحف، وذكر الله تعالى أفعال خير مندوب إليها مأجور فاعلها، فمن ادَّعى المنع فيها في بعض الأحوال كُلِّف أن يأتي بالبرهان.
    فالإمام ابن حزم يقول أنّ الأصل جواز سجود الشُّكر بلا مانع، والذي اشترط الطّهارة وضع المانع بلا دليل.
    والذي نختاره من هذه الأقوال سالفة الذِّكرهو: أنَّ سجود الشُّكر مستحبٌ، ورد في الأحاديث فِعلُه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الصَّحابة من بعدهِ، ولا مُراءَ في ذلك.
    وأنّ سجود الشُّكر عبادة بها وجه شبه بالصَّلاة، وشبه تام بسجود التِّلاوة؛ فلا بدَّ لأدائها من الطَّهارة. والله تعالى أعلم.

شارك المقالة: