سجود الملائكة لآدم عليه السلام

اقرأ في هذا المقال


سجود الملائكة لآدم عليه السلام:

سجود الملائكة لآدم عليه السلام كان المكرمةِ الرابعة التي كرّم الله بها آدم بعدما خلقهُ بيده ونفخَ فيه من روحهِ وعلمهُ الأسماء كلها، فكان سجود الملائكة خضوعٌ واستسلام لإرادة الله، وفي نفس الوقت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لآدمَ عليه السلام الذي رفعهُ الله وكرمه بين الخلائق، قال تعالى: “وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا” البقرة:34. وقال تعالى أيضاً “وإذ قال ربك للملائكة إني خالقُ بشراً من صلصال من حمأٍ مسنون، فإذا سويتهُ ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين” الحجر:28-29.

تعريف السجود:


السجود لغةً: هو عبارة عن الإنحناءِ والخضوع لمن يُسجدُ له، وسجدَ بمعنى طأطأ رأسه وانحنى، فالسجودُ معناه في كلام العرب التذلل والخضوع، وغايتهُ وضع الوجه على الأرض.

السجود اصطلاحاً:
وهو وضعُ الجبهةِ على قصد العبادة، ولغير الله على وجه التكريم والتحية كما سجدت الملائكة لآدم وأخوه يوسف عليه السلام.

حكم السجود وأنواعه:

ينقسم السجود إلى نوعين:
الأول: سجود عبادة وتأليه، وهي مثل السجود في صلاتنا حينما نضعُ الجبهة على الأرض، وإما أن يكون سجودٌ بلسان الحال لا يعلمُ كيفيتهُ إلا الله كما قال تعالى: “والنجمُ والشّجر يَسجُدان” الرحمن:6. وهذا السجود هو سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده دون سواه.
الثاني: وهو سجودُ تحيةٍ وتكريم من غير تألية، مثل عندما سجد يعقوب ليوسف ومثل سجود الملائكة لآدم عليه السلام. وهذا السجود حكمة، قيل أنهُ كان جائزاً في الأمم السابقة حتى زمان يعقوب عليه السلام، فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين. وأن الذي عليه أكثر العلماء، أنه كان مباحاً إلى عصر النبي عليه الصلاة والسلام وأن أصحابهُ قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل، يا رسول الله نحنُ أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل والشارد، فقال لهم لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين، وروى أحمد في مسنده قال: “لما قدم معاذٌ من الشامِ سجد للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ فقال ما هذا يا معاذُ قال أتيتُ الشام فوافيتُهم يسجدون لأساقفَتهم وبطارقتِهم فرددتُ في نفسي أن أفعل ذلك لك فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ فلا تفعلوا فإني لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لغيرِ االلهِ لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجِها والذي نفسُ محمدٍ بيده لا تؤدي المرأةُ حقَّ ربِّها حتى تؤديَ حقَّ زوجِها ولو سألها نفسَها وهي على قَتَبٍ لم تمنعْه”. مسند الإمام أحمد.
إذن فقد كان السجود مباحاً في الأمم السابقة إلى أن جاء الإسلام وأبطلهُ، يقول الشوكاني: فلا يستلزم تحريمه في شريعتنا إنه كذلك في سائر الشرائع. ويقول سعيد حوى وكان سجود التحية جائزاً فيما مضى ثم نسخ بشراً يعتنا” وهذا ما كان من سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليه السلام “ورفع أبويهِ على العرش وخروا لهُ سُجدا” يوسف: 100، فكان سجودهم ليوسف سجودُ تحيةٍ وتكريم واعتذار مما حصل منهم من إساءة ليوسف عندما ألقوهُ في الجبّ.

مواضع سجود الملائكة في القرآن الكريم:

لقد جاء الأمرُ بالسجود للملائكةِ في القرآن الكريم في مواضع عدة وهي:

قال تعالى: “وإذ قُلنا للملائكةِ اسجدوا لآدم فسجدوا” البقر:34.
– “ثم قلنا للملائكةِ اسجدوا لآدم فسجدوا” الأعراف:11.
– “فإذا سويتهُ ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجدَ الكلائكةُ كلهم أجمعون” الحجر:29-30.
“وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا” سورة الإسراء:61.
– “وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا” الكهف:50.
– “ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا” طه:116.
– “فإذا سويتهُ ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون”. ص:72.
فمن خلال تلك الآيات السابقة نرى بأن هناك خمس مراتٍ تكررت بصورةٍ واحدة في كل من سورة البقرة والأعراف والإسراء والكهف وطه، ثم تكررت أيضاً مرتين بصورةٍ أخرى في كل من سورة الحجر وسورة ص والتكرار هنا يعني بأنه لفظي يُعطي الصورة القوة والتأكيد أكثر مما تعطيه الصورة الواحدة.

كيفية سجود الملائكة:

لقد اختلفوا في كيفية سجود الملائكة على أمرين وهما:

الأول:
قال الجمهور كان هذا أمرٌ للملائكة بوضع الجِباه على الأرض، مثل السجود المعتاد في الصلاة؛ لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع.
الثاني: وقال قومٌ لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضعُ الجبهةِ على الأرض، ولكنهُ مأخوذ من اللغة فهو من التذلل والانقياد أي خضعوا لآدم وأقروا لهُ بالفضل فاسجدوا له أي إنهم امتثلوا بِما أمروا به.

هل كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام:

لقد اختلفوا في سجود الملائكة، هل كان لآدم على وجه الحقيقة، أم كان آدم قبلة والسجود له.
لقد قيل إنّ السجود كان لآدم عليه السلام على وجه التحية والتكريم اعترافاً بفضله وعلمه، فلم يكن في سجودهم سجود عِبادة على الإطلاق؛ لأن الله لا يأمر أحداً بالعبادة إلا إليه.

كما قيل إن الملائكة سجدوا لله وكان آدم قبلةً لسجودهم كما نصلي نحن باتجاه القبلة والصلاة لله، وإنما كان آدم قبلة تفخيماً لشأنه وتكريماً لعلمه وفضله وإعلاءً لمنزلةٍ بين الملائكة.
فالأمر الراجح بأن السجود كان لآدم على وجه الحقيقة تكريماً له، وهذا ما يؤيدهُ الآيات اسجدوا لآدم “فقعوا له ساجدين” فجميع الآيات واضحات بأن السجود كان لآدم على وجه الحقيقة وقد رجحهُ الفخر الرازي.

الملائكة المأمورونَ بالسجود:

لقد اختلفوا في الملائكة المأمورونَ بالسجود لآدم على عدة أقوال:
1. قول الجمهور: إن المأمورونَ بالسجود هم جميع الملائكة، وهو قول معظم الصحابة والتابعين، فقد قال النيسابوري والرازي والأكثرونَ من الصحابة والتابعين أنه تعالى قال ذلك للملائكة من غير تخصيص؛ لأن لفظ الملائكة يُفيد العموم والتخصيص خلاف الأصل. وقد استدل أصحاب هذا الرأي في التدليل على صحة قولهم بوجهينِ وهما:
أن لفظ الملائكة صيغةً جمع وهي تفيد العموم، ولا سيما وقد وردت هذه اللفظة مقرونة بأكمل وجوهٍ في قوله تعالى: “فسجد الملائكةُ هم أجمعون”.الحجر:30. والثاني: إنه تعالى استثنى إبليس منهم، واستثناء إبليس منهم، واستثناء الشخص الواحد منهم يدلّ على أن ما عذا ذلك الشخص كان داخلاً في ذلك الحكم.
2. إن المأمورين بالسجود هم ملائكة الأرض فقط بقرينة أن الكلام في خلافة الأرض.
والراجح أنّ جميع الملائكة مأمورون بالسجود، وهذا كان أكثر أقوال أهل الصحابة والتابعين ورجحه ثلةٌ من العلماء منهم الإمام البغوي: حيثُ يقول بأن الراجح هو أنه جميع الملائكة لقوله تعالى: “فسجد الملائكة كلهم أجمعون” الحجر:30. ورجحهُ أيضاً عبد المعز خطاب حيث يقول: والذين قالوا إن بعض الملائكة سجدوا لآدم والعض الآخر لم يسجد لم يفهموا قوله عزّ وجل: “فسجد الملائكةُ كلهم أجمعون، وهذا القول هو ما رجحهُ الباحثين بعد التفحيص والنظر في أدلة العلماء”. أما عن سجود الملائكة عند أهل الكتاب فليس في الفكر اليهودي أو النصراني ما يُشير إلى سجود الملائكة لا من قريب ولا بعيد، لذلك فقد ذكرنا ما تريده العقيدة الإسلامية.


شارك المقالة: