صلاة الاستخارة

اقرأ في هذا المقال


صلاة الاستخارة لا تختلف عن أنواع الصّلاة الأخرى من حيثُ الشروط والأركانِ والواجباتِ والمستحبَّاتِ، إلا أنّ هناك أحكاماً تخصُّها ومنها:

المسأله الأولى: وهي الأحاديث الواردة في الاستخارة، فقد وردت أحاديث عِدّة في الاستخارة وأهم هذة الأحاديث.

  • حديث جابر رضي الله عنه: عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كُلّها، كما يُعلمنا السورة من القرآن يقول(( إذا هَمّ أحدهم بالأمرِ فليركع ركعتبن من غيرِ الفريضةِ، ثُمّ ليقل: اللهم إنّي أستَخيرُكَ بعلمك، وأستقدِرك بقدرتك، وأسألُكَ من فضلك العظيم، فإنَّكَ تقدرُ ولا أقدر، وتعلمُ ولا أعلم، وأنت علّامُ الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبةِ أمري، أو قال: عاجِلُ أمري وآجلهِ، فاقدرهُ لي ويسِّرهُ لي ثمَ بارك لي فيه، وإن كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمرُ شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةُ أمري، أو قال: عاجلُ أمري وآجلهِ، فاصرفهُ عني واصرفني عنهُ واقدر ليَ الخيرَ حيثُ كان ثُمَّ أرضني به قال: ويسمِّي حاجتهُ)).

حكم صلاة الاستخارة

أجمعَ العلماء على أنَّ صلاة الاستخارة ُسنَّة، وأمَّا الشوكاني في نيل الأوطار إلى الوجوب ولم يزعم به، والقول بالوجوب مُتَجِهٌ على مذهب الظاهريَّة، لصراحةِ الأمرِ في قوله:( إذا هَمّ احدكم بالأمر) فليس هو أمر مطلقاً.

ماالأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة

اختلف بعض العلماء في الامور التي تُشرع لها الاستخارة على عدة أقوال:

القول الثاني: ويستخير المسلم في المباحات والمندوبات، أما الواجبات والمُحرماتِ لا يستخير فيها.

القول الأول: يستخير المسلم في كل أمر، سواء كان أمراً دينياً أو دنيوياً. فأمور الدنيا تكون بالإتفاق، وأمّا أمور الدين، فلا يستخير في ذات الأمر الشرعيِّ، وإنَّما فيما يحتفِ به من أحوال، كأن يستخير في وقت العمرة، أو مقدار الوقف، أو غير ذلك. وذلك لأنَّ ذات الأمر الديني ممَّا نهى الله عنه، أو أمَر به، أو ندب إليه، أو كَرِههُ، او أباحَهُ لا خيار فيه للعبد المؤمن، لأنَّ العبادة مبناها على التسليم لشرع الله تعالى.

القول الثالث: يستخير فيما يتعلق بالمباحات والمشروعات، ليس في ذات المشروع أنَّه واجبٌ أو مستحبٌّ،وإنَّما فيما يتعلَّقُ بالمباحات مثل الزواج، ومثل شِراءِ المَركُوب، او شِراء بيت أو غير ذلك.

عدد ركعات صلاة الاستخارة

اتفق العلماء على ثلاثة أمور وهي:

  • اتفقوا على أنّها لا تَصِحُ بركعه واحدة، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام( فليركع ركعتين).
  • اتفقوا على أن الأفضل أن تكون ركعتينِ، وذلك لأن لفظ الحديث نَصّ عليها.
  • اتفقوا أن لا تكون وتراً، لأنَّ الحديث نَصّ على الشفع بقوله( فليركع ركعتين).

واختلفوا العلماء فيما زاد على الركعتين، ولم يكن وتراً على قولين:

القول الاول: لا تجوز الزيادة على الركعتين، وهو قول الجمهور واستدلوا أن الحديث نَصّ على الركعتين فلا تجوز الزيادة على الحديث. واستدلوا أيضا أنَّ العبادات مبناها على التوقيف، وقد وردَ الدليل بانَّها ركعتان فقط.

القول الثاني: جواز الزيادة على ركعتين، وهو قول الشافعيّة، واستدلوا بأنَّ القول بالاقتصار على الركعتين غايتهُ أنَّه احتجاج بمفهوم العدد، ومفهوم العدد ضعيف كما في علم أصول الفقه.واستدلُّوا أيضاً، ذكر الركعتين في الحديث لا يعني عدم الزيادةُ، وإنَّما المراد منه بيان أقلِّ عدد من صلاة الاستخارة، بحيث أنَّه لا يجوز النقصان عن ذلك، وليس المراد منع الزيادة.

والقول الراجحُ، الله أعلم هو الاقتصار على الركعتين وعدم الزيادة عليهما، وذلك وقوفاً مع السنَّة النبويَّة، والنبي صلى الله عليه وسلم، في مقام تعليم، خاصَّة أنَّ صلاة الاستخارة كان يعلمها أصحابهُ كما يعلمهم السورة من القرآن، فيبعد مع ذلك جوازها بأكثر من ذلك ولم يُبينها لهم.

وَليسَ ذِكرُ الركعتين في حديث جابر رضي الله عنه، من باب مفهوم العدد، لأنَّ مفهوم العدد أن يعلِّق الحُكم على عدد معيَّن، وإنَّما حديث جابر رضي الله عنه من بيان الصِّفة فيلزُمُ التقيُّد به.

ماذا يقراء في صلاة الاستخارة

للعلماء في ذلك تفصيل كمايلي:

  1. اتفقَ العُلماءُ على أنَّ صلاة الاستخارة كغيرها من الصَّلوات في ركني الفاتحة، وسنيّة مابعدها من السِّور.
  2. اتفقَ العُلماءُ على أنَّ أي سورة أو آيه بعد الفاتحة فهو مجزئ.

واختلفوا في الأفضل في صلاة الاستخارة على عدَّة أقوال:

القول الأول: وقال به أكثرُ أهلِ العلم وهو أنَّ الأفضل أن يقراء بعد الفاتحة:

  • في الركعة الأولى( قل يا أيُّها الكافرون).
  • في الركعة الثانية( قل هو الله أحد). وفسَّروا ذلك: بأنَّه من الأنسب أن يقرأ سورة الإخلاص، لما فيهما من الرغبة لله، وإعلانِ توحيده، وبرائتهُ من الشرك.

القول الثاني: وقال به بعضُ السَّلف وهو الأفضل أن يقراء بعد الفاتحة:

  • في الركعة الأولى: قال تعالى(( وَرَبُّك يَخلقُ ما يشاءُ ويختارُ ما كانَ لهم الخيرةُ سبحن الله وتعالى عما يُشركون- وربُّكَ يعلمُ ما تَكِنُ صدورهم وما يُعلِنون)) . سورة القصص “68،69”.
  • في الركعة الثَّانية: قال تعالى(( وما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمراً أن يَكونَ لهُمُ ألخِيَرةُ من أمرهم ومن يَعصِ اللهَ ورَسولَهُ، فقد ضلَّ ضَللاً مُبِيناً)). سورة الأحزاب “36”. وعلَّلوا ذلك: لمناسبة الحال لهم.

القول الثالث: وقال به الحنابلة وغيرهم وهو أنَّه لم يرد في القراءة دليل، فتبقى على إطلاقها، ويكون الأفضل بحسب ما يختارهُ المصلي.

أنواع صلاة الاستخارة

ذكر أهل العلم أن نوعان للاستخارة وهما:

النوع الاول: وهو المتفق علية، وهي الصِّفة المعروفة ركعتانِ من غير الفريضةِ، ثمَّ يقول بعدهما الدُعاءُ المأثور.

النوع الثاني: وقال بهِ كثيرٌ من أهل العِلم، وهو الاقتصار على الدُّعاء فقط ، وعلى هذا فتجوز بعد أيِّ صلاة.

فالذي يظهرُ والله أعلم : أنَّ دعاء الاستخارة ممَّا يدعو به المسلم في شأنه كلِّه، لأنَّهُ دعاءٌ من الأدعيةِ التي وردت في السُنّة، إلا أنّه لا يسمَّى استخارة بالمعنى الاصطلاحي المعروف الذي ورد في حديث جابر رضي الله عنهُ، وإنَّما هو مجرَّد دعاء أن ييسِّر لهُ الله الخيرةَ أينما كانت، أمَّا صلاة الاستخارة التي وردت فهي صلاة مخصوصة بيَّنتها السنَّة.

ماذا يفعل المسلم بعد صلاة الاستخارة

اختلفت أقوال العلماء فيما يفعله المسلم بعد صلاة الاستخارة، ولا تخلو أقوالهم من تداخل فيما بينها، ولعلَّ السَّبب فيما يظهر هو خلوُّ أحاديث صلاة الاستخارة من بيان للعلامات التي تعقب صلاة الاستخارة، وفيمايلي بعض الأقوال:

  • القول الأول: أنَّ المسلم بعد الاستخارة عليه ألا ينتظر شيئاً، وإنّما يُقدِِّم على مايريد، فإنَّ يسرُّهُ اللهُ له أو صدُّهُ عنه فهذا اختيار الله له.
  • القول الثاني: لا يخلو حال المسلم إذا أدَّى صلاة الاستخارة من أحد أمورٍ ثلاثة هي:
  1. أن يجد في نفسه نشاطاً وارتياحاً للعمل الذي تردَّد فيه، ويذهب عنه التردُّد، وفي هذه الحالة يشرع له أن يمضي في العمل.
  2. أن يجد نفسه انصرافاً عن العمل، وعدم رغبة فية، فيشرع له أن لا يمضي في العمل.
  3. أن لا يحصل لهُ شُعور جديد، بل يبقى متردِّداً، وفي هذه الحالة عليه أن يمضي في العمل، إذا ترجَّح له عقلاً فائدة ذلك العمل، فإنَّ الظنَّ بالله أنَّه سيختار لهُ ما هو خير.
  • القول الثالث: أنَّه استخار الإنسان ربَّهُ فلا يخلو من أمرين:
  1. أن بنشرح لهُ صدره، فهذا دليل على أنَّ الأمر هو الذي اختاره الله تعالى.
  2. أن يبقى متردِّداً، فإنَّه يعيد الاستخارة مرة ثانية وثالثة، فإن تبين له، وإلا استشار غيرهُ، بما هو عليه ويكون ما قدَّرهُ الله هو الخير إن شاء الله.
  • القول الرابع: يفعل ما اتفق، ويستدلُّ له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود رضي الله عنه، مرفوعاً.
  • القول الخامس: ينظر إلى ما تهواه نفسه، وهو لا يخلو من أمرين:
  1. إن كان يهواه قبل الاستخارة: فلا يفعله، لأنَّ موافقة الهوى مذمومة غالباً.
  2. إن كان لا يهواه قبل الاستخارة: فيفعَلُهُ، لأنَّ مخالفة الهوى محمودة شرعاً.

فالذي يَظهر واللهُ أعلم ، أنَّ ما يعقبُ صلاة الاستخارة لم يرد فيه دليل يُبينهُ، وعلى هذا فليسَ هناك علامة محدَّدة ينتظرها الإنسان، إلّا أن انشراح الصَّدر علامة قبول باتفاق مع ذكر العلامات.


شارك المقالة: