صمود ابي جهل و عناده في غزوة بدر:
لقد حاول المشرك أبو جهل عندما بدأ التصدع الكبير في صفوف جيش الكفار أن يصمد في وجه سيل الهزيمة التي قد لحقت بجيش مكة المكرمة (جيش قريش) وإيقافه في غزوة بدر.
حيث أخذ يعلو بصوته بقوة وعناد ومكابرة، وكان يقول: “خذوهم أخذاً (يقصد المسلمين وجيشهم)”، وقد كان يحلف باللات والعزى لا نرجع حتى نفرق محمداً صلى الله عيله وسلم وصحابته بين الجبال.
ولكن هل لصيحات الكبر والغرور والطيش الكبير أن تنفعه أو تفيده، حيث قد عمت الهزيمة وفوز المسلمين عليهم حال وقعها المزلزل بين صوت أبي جهل العنيد المكتبر المكابر على الهزيمة، وبين الوصول إلى سماع صوت أحد من أفراد جنوده الذين بعثرتهم الهزيمة المدمرة الساحقة الماحقة هنا وهناك.
مصرع أبي جهل ونهايته:
ومن الناحية العسكرية في الحرب فإنه لا يسع المنصف إلا أن يعترف لهذا الطاغية بالشجاعة الفذة والفوز له، وأنه على مستوى أولئك القادة التي صفتهم القوة والبسالة والشجاعة، والذين لا يهابون الموت عندما تلمع بروقه وتهدر رعوده، فقد أثبت الجاهل أبو جهل في يوم معركة بدر أنه مثال ناطق للعناد والمكابرة، فقد ظل أبو جهل بالرغم من نزول الهزيمة الماحقة المدمرة بجيش قريش يقاتل بكل عناد ومكابرة، وكان يقول:
“ما تنقم الحرب العوان مني … بازل عامين حديث سنّي
لمثل هذا ولدتني أمّي”
وكان قد ثبت معه يد بيد جماعة من هيئة أركان حربه، حيث وقفوا معه واسندوه، وكان فيهم ابنه عكرمة، وأخذوا بدافعون عنه وضربوا حوله سیاجاً لكي يحميه من سيوفهم، ومن ثم أقاموا حوله غابات من رماحهم بصدون بها كل من حاول الوصول إليه.
ولكنّ العاصفة كانت أقوى امام قوة المسلمين، فقد مزقت رياح النصر الإسلامية العاتية، جميع سياج السيوف التي تحمي أبي جهل، وقد اقتلعت غابات الرماح المزروعة حول أبي جهل لحمايته، حيث طارت تلك الرماح أمّا قوة وتحمس المسلمين وبأسهم العظيم، وتخلى حرس الكفار والمشركين عن قائدهم أبي جهل، أمام ضغط المسلمين المتزايد الكبير، والذين انتشر وعلت هتافهم في أرجاء ساحة القتال في معركة بدر، وكانوا يرددون: “أحد أحد”، حيث هوت وهبت سيوف الإسلام إلى دعامة الشرك الكبرى، فخر أبو جهل صريعاً بتخبط في دمه، بعد أن قاتل أبو جهل قتالاً ضارياً.
وقد كان الذي صرع وانتهى به أبا جهل هو الصحابي الجليل معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه، فقد عرفه وهو في وسط غابة من الرماح تحميه من سيوف جيش نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، التي قد أقامها أركان حربه حوله، فظل يترقبه عن قرب، حتى منحت له الفرصة أن يفعل ما كان يريده، وذلك عندما بانت له فرجة في نطاق الرماح المضروبة حوله ( أي فتحة يمر بها سيفه)، فانقض نحوه كالصقر ثم ضربه ضربة بترت قدمه مع نصف ساقه، فخر أبو جهل صريعاً يتخبط في دمائه وجرحه.
ولكن أن ابنه عكرمة الذي كان بجانبه مر على معاذ بن عمرو فضربه بسيفه ضربة فصلت يده من العاتق، وبالرغم من ذلك ظل البطل يقاتل بيد واحدة وعاش حتى أيام الصحابي الجليل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.
أمّا أبو جهل فقد انشغل وابتعد عنه قومه، حيث لاذوا بالفرار بأنفسهم، فقد تركوه وحده صريعاً بالعراء ومر به معوذ بن عفراء، فأوجعه طعنة ومن ثم ترکه يجود بنفسه، وتفرق المشركون وابتعد عن مكة وصناديد مكة وفرسانها منهزمين بعده بدداً، فاستقبلتهم فجاج الصحراء، وكأنهم غزلان أهاجها الصياد.
وبهذا جنت قطف ما قدمه لها أبو جهل من ثمار حماقاته الكبيرة، فكان أبي جهل رغم رعونته احمق، حيث هزمت قريش وجيشها هزيمة لم تعرف مثلها في تاريخها الطويل، ولقد هرب الكفار المشركون والجند بعد هزيمة مدمرة ساحقة ماحقة بعد أن مزقتهم سيوف الإسلام، فتاهوا في الوديان والوهاد، هرباً بأرواحهم، بعد أن تركوا خلفهم عدد سبعين قتيلاً في ساحة القتال في معركة بدر، وتركوا أيضاُ عدد سبعين أسيراً تحت رحمة المسلمين وايديهم.
وبهذا تخلص جيش المسلمين من أحد أعداء الدين والإسلام وهو أبو جهل، والذي يعتبر من زعامات قبيلة قريش، ومن أكثرهم كرهاً وحقداً للمسلمين ودين الإسلام.