صور من محبة الصحابة الكرام للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم

اقرأ في هذا المقال


صور من محبة الصحابة الكرام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم:

من سعادة الإنسان أن يرزقه الله عز وجل محبة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإن محبة النبي الكريم محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه – هو أصل من أصول الدين الإسلامي، ولا إيمان أبداً لمن لم يكن النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليه من ولده ومن والده ومن الناس أجمعين، قال الله سبحانه وتعالى: “{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(التوبة:24)”، وعن أنس رضي الله عنه قال: “قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )” رواه البخاري .
وقال ابن تيمية: ” إن قيام المدحة والثناء عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله “.
ومحبة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقيقيةً وليست مجرد كلمات يرددها اللسان، أو في الدروس أو في الخطب التي يتلوها الوعاظ والخطباء، ولا يكفي فيها الادعاء فقط، بل أنه لا بد أن تكون محبة سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهي حياة تُعاش، وعبارة عن منهج يتبع، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: ‏”قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ ” (آل عمران:31).
حيث قد تتغير معنى محبة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانحرفه عند البعض من الناس، فبعد أن كانت تلك المحبة الكبيرة ـ عند الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ تعني: “إيثار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كل شيء وطاعته واتباعه في كل أمر”، أصبح مفهومها عند بعض الناس تأليف الصلوات المبتدعة، وأيضاً عمل الموالد والقيام بإنشاد القصائد والمدائح، وبعد أن كان تعظيم ومحبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتوقيره وأيضاً الأدب معه، صار تعظيم النبي محمد عندهم هو الغلو فيه وذلك بإخراج النبي محمد عن حد البشرية وعن رفعه إلى مرتبة الألوهية، وكل هذا من الوهم ومن الانحراف الذي طرأ على كل معاني المحبة ومفهومها.
وقد ترجم الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ محبة النبي المريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترجمة عملية، فقد بذلوا كل أرواحهم وكل أموالهم رخيصة في سبيل الله، وفي طاعة وحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد عبر عن ذلك الصحابي سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ حين قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكر في السيرة النبوية: ” يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صدق عند اللقاء، فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله “، فكان لسان حالهم ومقالهم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : 
               “هو المُقَّدم في نفسي على نفسي         وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي”
وقد سُئِل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ كيف كان حبكم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه: ” كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ “.

من صور حب الصحابة الكرام للنبي في الغزوات:

ومن هذه الصور التي كانت في غزوة أحد، حيث ظهرت صور كثيرة وعديدة من محبة الصحابة للنبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصورة عملية، وذلك عندما حاصر المشركون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن معه، وخلال ذلك الموقف العصيب جداً سارع المسلمون والصحابة الكرام إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأقاموا حول النبي محمد سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، وقد بالغوا بشكل لا يعقل في الدفاع عن أفضل الخلق، فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأيضاًَ يرفع صدره رضي الله عنه حتى يقيه من سهام العدو، ويقول: ” نحري دون نحرك يا رسول الله “.

كما كان الصحابي الجليل أبو دجانة يحمي ظهر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والسهام تقع عليه وكان لا يتحرك، والصحابي مالك بن سنان كان يمتص الدم من وجنته ـ صلى الله عليه وسلم، وقد عرضت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – صخرة من الجبل حينها نهض إليها حتى يعلوها فلم يستطع، فجلس تحته الصحابي طلحة بن عبيد الله فنهض عليه، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: “أوجب طلحة ” (أي الجنة).
ومن هذه الصور التي كانت عندما استأذن الصحابي أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الهجرة، فقال له: ” ( لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً )، فلما أذن الله ـ عز وجل ـ لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: ” الصحبة يا رسول الله “. فقال له: ( الصحبة )، تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ )” رواه البخاري.
وفي طريق الهجرة النبوية الشريفة: ” أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الغار، كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله، فقال: أذكر الطلب (ما يأتي من الخلف) فأمشي خلفك، وأذكر الرصد (المترصد في الطريق) فأمشي أمامك، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لو كان شيء أحْبَبْتَ أن تُقتل دوني؟ )، قال: أي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فاستبرأه “.
وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: “(ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه، قال: فسأله عازب عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل، قال: ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة معي ثم اضطجع عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلقت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذي أردنا، فسألته: لمن أنت يا غلام؟، فقال: أنا لفلان، فقلت له: هل في غنمك من لبن؟، قال: نعم، قلت: له: هل أنت حالب؟، قال: نعم، فأخذ شاة من غنمه، فقلت له: انفض الضرع، قال: فحلب كثبة من لبن ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت، ثم ارتحلنا والطلب في إثرنا)” رواه البخاري .
قال الله تعالى: { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا } (النساء: 69)، وقد نزلت في “ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان شديد الحب لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم  ـ: ( ما غيَّر لونك؟ )، فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية “.
وكانت امرأة من قوم بني دينار في وقعة غزوة أحد قد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعندما نعوهم لها قالت: ” ما فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ ، قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل ـ أي صغيرة ـ”.
قال عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: ” بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟، قال:أُخبِرْت أنه يسب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء ) رواه البخاري “.


شارك المقالة: