جمع القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

اقرأ في هذا المقال


جمع القرآن الكريم تطلق على معنيين:

  • حفظ القرآن واستظهاره.
  • كتابة القرآن كله حروفه وكلماته وآياته، وسوره.

لقد تحقق كلا المعنيين في عهد صلى الله عليه وسلم وبالتوقيف الدقيق عنه صلوات الله وسلامه: من فمه الشريف عن الوحي مباشرة، مستظهراً وحافظاً إلى كُتاب الوحي ليكتبوه أمامه، كما يُمليه عليهم وإلى مسامع أصحابه ليحفظوه كما تلاه عليهم لفظاً وترتيلاً، مع حرصهم الشديد على قراءته، كما سمعوه عنه صلى الله عليهم وسلم حتى أن الواحد فيهم كان يتمسك بما سمعه فيقول “ أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

ولقد قرأ صلى الله عليه وسلم آيات الله في الصلاة، وفي خارج الصلاة، وقرأه صحابته الكرام عليه، كما قرأ بعضهم على بعض، وكانت تتم مراجعات سنوية للرسول صلى الله عليه وسلم مع ملك الوحي ( جبريل عليه السلام) في عرضة سنوية، لما تنزل من القرآن الكريم بالترتيب الذي استقرت عليه الآيات والسور، حتى جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة
وقبل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، وقعت عرضتان مع جبريل عليه السلام للقرآن ، فقد قال مسروق:  “عن عائشة عن فاطمة عليها السلام أسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي”.

ونريد القول تفصيلاً فيما يلي:

أولاً: كان الوحي يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فيلقي سيدنا جبريل الوحي، آيات القرآن الكريم على قلبه النبي الشريف، ويسمعه بأذنيه كلاماً فيردده، بلسانه الشريف مستعجلاً على حفظه، إلى أن أمره الله سبحانه وتعالى، بألا يتعجل على حفظه بترديد ما يسمعه ووعده سبحانه وتعالى فقال له: ﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦۤ (١٦) إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ (١٧) فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ (١٩)﴾ صدق الله العظيم [القيامة ١٦-١٩] فأصبح يستمع لما يوحى به من القرآن دون أن يردده.

ثانياً: كان صلى الله عليه وسلم، بعد انصراف الوحي، يقرأ على أصحابه ما تنزل من آيات القرآن الكريم، ويدعو كتبة الوحي لكي يكتبوا ما تنزل من القرآن، فكان صلى الله عليه وسلم يدعوهم ويُملي عليهم ما أوحى إليه، إن كان سورة دلهم على موضعها مما سبقها، وإن كان آية أو آيات دلهم على مكانها في السور التي هي منها، ومضى الأمر على ذلك طيلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان كتبة الوحي من خيار الصحابة: منهم ( الخلفاء الراشدين الأربعة) وكذلك سيدنا معاوية، وأبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابتزيد بن ثابت والحديث، وثابت بن قيس وغيرهم، وكانوا يكتبون فيما يسهل عليه من العسب واللحاف، والرقاع، وقطع الأديم، وعظام الأكتاف، والأضلاع، وكانت هي أدوات الكتابة الشائعة بين العرب وكان يوضع المكتوب في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: كان صحابة رسول الله من أكثر الناس في التنافس والتسابق، إلى الإهتمام في حفظ ما يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن الكريم، ومدارسته في مجالسه التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم فيها أمور دينهم في دار الأرقم، لما كانوا في مكة وفي المسجد النبوي، ومجالسه المتعدده، لما كانوا بالمدينة.

وكان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم من القرآن ما تيسر لهم كتابته، ويكتبون بجوار بعض الآيات القرآنية بعض المعاني، لهذا لم تكن صحائف الصحابة نصوصاً قرآنية مجردة، ومنظمة بل كانت أشبه بالمذكرات. ولكنهم أولاً، وأخيراً كانوا يعتمدون على الحفظ والاستظهار. وقد أصبح صحابة رسول الله بتوجيهاته صلى الله عليه وسلم، يعايشون القرآن الكريم في معظم أوقاتهم، في صلاتهم، وفي حفظهم وتلاوتهم له في ليلهم.

رابعاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلوات من السور، والآيات ما بين القليل والكثير، وقد يقول عن عبد الله رضي الله عنه قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء قلنا وما هممت ؟؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم.

وقائع وبراهين على استظهار القرآن، وكتابته منذ بداية تنزله:

  • واقعة دخول سيدنا عمر بن الخطاب على أخته قبل إسلامه، ومشاهدته للصحيفة التي كانت معها، وبها سورة طه، وكان خباب بن الأرت في منزل زوجها يعلمها القرآن، فإذا كانت هذه المرأة المسلمة وزوجها على هذا القدر من الاهتمام بدراسة القرآن، ولديها صحف بها سور، فما بالك بالصحابة المُقربين الملازمين للرسول صلى الله عليه وسلم.
  • استشهاد سبعين صحابياً وهم أهل بئر معونة- وكانوا يسمون القراء- فقد روى مسلم في صحيحه هذه الحادثة عن أنس -رضي الله عنه- قال: “جاء ناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار، يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم.
  • زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يحفظن القرآن الكريم، وذلك بتوجيه من الله سبحانه في قوله تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا﴾ صدق الله العظيم[الأحزاب ٣٤] قال القرطبي: قال أهل التأويل؛ آيات الله هي القرآن، والحكمة السنة، وقال مقاتل المراد بالآيات والحكمة أمره ونهيه في القرآن.
  • في معركة اليمامة على عهد خلافة أبي بكر رضي الله عنه استشهد العدد الكبير من الحفاظ مما يدل على وجود الكثير من الحفاظ من بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسم كبير كان الحفاظ من المجاهدين، ولم يكونوا من القاعدين المتفرغين للحفظ، ولم يعطلهم كونهم من طائفة المحاربين أن يكونوا من فئة الحفظة، ولم يشغلهم الجهاد في سبيل الله عن أن يكونوا من حفظة كتاب الله تعالى.
  • وخلاصة القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل من الدنيا إلى الرفيق الأعلى، حتى وكان القرآن جميعه محفوظاً في صدور أصحابه، استظهاراً بقراءاته المتنوعة يحفظه جمع من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مكتوباً كله على عهد النبي صلى ىالله عليه وسلم، وكانت كتابته ملحوظ فيها أن تشمل الأحرف السبعة التي نزل عليها.

شارك المقالة: