قصر الصلاة في السفر

اقرأ في هذا المقال


ويعتبر قصر الصلاة للمسافرهي: الرخصة الثانية للمسافر من باب التيسير والتسهيل؛ لأن المسافر الذي في الأصل سفرهُ عبارة عن مشقة وتعب، والمراد بها هي: التخفيف من الصلاة الرباعية والإقتصار منها على ركعتين، وهذا خاص بالرباعية، وهي صلاة الظهر، والعصر، والعشاء .

معنى القَصر

قال الزرقاني: قَصر الصلاة في السفر، أي بفتح القاف، ويقال قَصرتُ الصلاة قصراً، وقصرتها تقصيراً، والمراد به تخفيف الرباعية إلى ركعتين، ولا قّصرَ في الصبح، ولا المغرب إجماعاً .
القصر: هو أنّه يصلي الرباعية اثنتين، هذا يسمى قصر، والقصر يكون مثل: الظهر اثنتين، العصر اثنتين، العشاء اثنتين بالسفر؛ بسبب السفر، ولا تقصر الصلاة إلا في السفر خاصة، فالمريض لا يقصر، المريض له أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء لكن لا يصليها اثنتين بل يصلي أربعًا، وإنما القصر في السفر خاصة .
والجمع: معناه ضم الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء، وهذا الجمع يجوز للمسافر والمريض .
وأما مسافة القصر: فهي عند جمهور أهل العلم يومان بمسافة سبعين كيلوا أو ثمانين كيلو هذا يسمى سفرا، والفرسخ ربع البريد والبريد نصف يوم، والمسافة أربعة بُرُد كل بُريد أربعة فراسخ، والفرسخ ربع البريد وثمن اليوم.

أهمية موضوع قصر الصلاة

تظهر أهمية موضوع قصر الصلاة وما يتعلق بها من أحكام جزئية، بانه موضوع قديم جديد يعني أنه” قديم “من حيث إنّ العلماء تناولوه بالبحث والنظر منذ قديم الزمان من عصر الصحابة إلى يوم الناس هذا .
وموضوع” جديد” من حيث أن السفر سنة باقية ما بقي الإنسان على وجه الأرض، ولا يزال بعضهم بحاجة ماسة إلى معرفة الأحكام المتعلقة بهذا الامر .

حكم القصر في السفر

حكم القصر عند بعض الصحابة والفقهاء وأصحاب المذاهب وفي القرآن والسنة:

قال أبو عمر ابن عبد البر: ذكر ابن خويذمنداد أنّ مالكاً يقول: إنّ القصر في السفر واجب .
قال أبو عمر: في قول مالك: إنّ من أتم الصلاة في السفر لك تلزمه الإعادة إلا في الوقت، وهذا دليل على أن القصر عنده ليس بفرض، وقد حكى أبو الفرج في كتابه عن أبي المصعب عن مالك: القصر في السفر للرجال والنساء سنة،
قال أبو الفرج:” ومما يدل على ذلك من مذهبه أنّه لا يرى الإعادة على من أتم السفر إلا في الوقت .
وأما الشافعي وأبو ثور فكانا يقولان: إنّ شاء المسافر قَصر وإنّ شاء أتم .
أما عند أبو حنيفة: قال: إنّ من أتم في السفرأعاد، والإعادة عنده ابداً .
وجاء عن عمر ابن عبد العزيز: مايدل على أنّ القصر في السفر واجب؛ لأنه قال الركعتان للمسافر حتم لا يصلح غيرهما .
واختلف في هذه المسألة عن احمد ابن حنبل، فقال مرةً: أنا أحب العافية في هذه المسألة، وقال مرة أخرى لا يعجبني أنّ يصلّي أربعاً السنة ركعتان .
قال ابن عبد البر: قصر الصلاة في السفر سنة لا فريضة؛ لأنها لا ذكر لها في القرآن، وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفراً وخوفاً واجتمعا جميعاً، فقال الله تعالى:(  وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)” النساء 101″ .فلم يبح القصر إلا مع هذين الشرطين .
ثم قال الله تعالى:(  فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)” النساء 103″ .
أي فأتموا الصلاة .
فهذه صلاة الحضر وقد تقدمت صلاة الخوف مع السفر، وقد نص عليهما جميعاً القرآن .
وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها، آمناً لا يخاف إلا الله تعالى، فكان ذلك منه سنةً مسنونة زيادةٌ منه في أحكام الله كسائر ما سنه وبينه مما ليس له في القرآن ذكر .
وما تحدثنا عنه يظهر لنا أنّ خلاصة أقوال العلماء في حكم القصر في السفر:
أنه على المسافر أنّ يقصر الصلاة، إما وجوباً على رأي من شدد، أو أنّ المسافر مخير بين القصر والإتمام مع كون
القصر أفضل على رأي من خفف، أو انها صدقة الله على عباده وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي واظب عليها في جميع أسفاره، والأفضل الإتيان بها، وعلى من أتم الصلاة الإعادة في الوقت .
وفي كل الأحوال فالقصر أفضل من إتمام الصلاة، ولم يقل أحد من العلماء إنّ الإتمام أفضل من القصر بل بعضهم أوجب القصر، والذين لم يوجبوه جعلوه أفضل الامرين .
ومن أحكام الجمع والقصر مايلي: “أحكام القصر” .

1. الصلوات التي تجمع هي:( الظهر والعصر)،( المغرب والعشاء) .
2. يجوز جمع التقديم؛ بأنّ تصلي العصر مع الظهر في وقت الظهر، وأنّ تصلي العشاء مع المغرب وقت المغرب .
3. يجوز جمع التأخير؛ بانّ يؤخر الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء .
4. يشترط استحضار نية الجمع والقصر عند دخول وقت الصلاة فقط، ولا يشترط ذلك عند بدء السفر .
5. في جمع التقديم لا يجوز الفصل بين الصلاتين بفاصل طويل، ما يزيد على مقدار ركعتين خفيفتين، وإلا بطل الجمع .
6. إذا أراد المسافر جمع التأخير، لا بد انّ ينوي تأخير الصلاة قبل خروج وقتها .
7. يجوز جمع العصر تقديماً مع الجمعة، لا تأخيراً في وقت صلاة العصر .
أما ” أحكام القصر” .
1. تجب نية القصر عند الإحرام .
2. إذا صلّى المسافر خلف من غلب ظنه أنه مسافر، ونوى القصر، فيقصر إنّ قَصّر .
3. يجوز تعليق النية، كأنّ يقول” إنّ قَصر قَصرتُ” .
4. إذا صلّى المسافر خلف من يُتم الصلاة فلا يجوز أنّ يقصرها لقول” من صلّى خلف مُتمٍ أتمَ ” .

متى يبدأ القصر عند الخروج

_ قال مالك: لا يقصر الذي يريد السفر الصلاة حتى يخرج من بيوت القرية كلها وهذا مجمعٌ عليه، واختلف فيما قبل الخروج من البيوت . فعن بعض السلف إذا أراد السفر قَصرَ ولو في بيته .
_ وورده ابن المنذر بأنه، لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قَصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة .
_ وورد في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:( صلّيت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحُليفة ركعتين) . والدليل على ذلك وكان ذلك لخروجه حجة الوداع، فنزل بها فقصر العصر، واستمر يقصر حتى رجع . ولا يتم حتى يدخل أول بيوت القرية أو يقارب ذلك .

_ قال ابن رشد: وأما الموضع الذي منه يبدأ المسافر بقصر الصلاة فإنّ مالكاً قال في الموطأ: لا يقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يتم حتى يدخل أول بيوتها . وقد روى عنه: أنّه لا يقصر لإذا كانت قرية جامعة حتى يكون منها بنحو ثلاثة أميال، وذلك عنده أقصى ماتجب فيه الجمعة على من كان خارج المصر في إحدى الروايتين عنه والجمهور أخذوا بالرأي الأول .

صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء الإمام

عن عمران بن حصين، قال:(غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلّي إلا ركعتين، ويقول: ياأهل البلد صلّوا أربعاً، فإنا قومٌ سُفر) ” رواه أبو داود” .
وعن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلّى بهم ركعتين، ثم يقول ياأهل مكة،أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفر) .
وقال أبو عمر: امتثل عمر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن مالك، وعن نافع، أنّ عبد الله بن عمر : كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعاً لوجوب متابعة الإمام وترك الخلاف له وإنّ اعتقد المأموم أنّ القصر أفضل لكن فضيلة الجماعة أكد للإتفاق عليها، والاختلاف في القصر، فإذا صلّى لنفسه صلّى ركعتين على سنته، لأنه مسافر) .
وعلى ذلك فإنّ المسافر إنّ صلّى بالناس إماماً وفيهم المسافر والمقيم، فإنه يقصر الصلاة، ويقصر وراءه المسافرون،
ويأمر المقيمين بإتمام صلاتهم، فإنّ صلّى المسافر وراء إمام مقيم، فإنه يصلي بصلاة إمامه المقيم، أي يتم الصلاة مع الإمام ولا يخالفه، فإنّ صلّى وحده قَصر صلاته .

مقدار مسافة القصر

اختَلف أهل العلمِ في مقدارِ مسافة السَفرِ الذي تقصَر فيه الصَّلاة على أقوال عدَة : أقواها قولان:

  • القول الاول: إنّ المسافة التي تقصر فيها الصلاة أربعة بُرُد يعني(88 كم تقريباً) وهذا بمذهب الجمهور المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول بعض السلف، وقول أبي يوسف من الحنفية .
    والدليل على ذلك من الآثار هو:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( ياأهل مكة، لاتقصروا في أقل من أربعة بُرُد، وذلك في مكة إلى الطائف) .”
    والبُرُد” هو جمع بريد، وهي كلمة فارسية يراد بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم استعملت في المسافة التي يقطعها، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فيكون قدرُ الأربعة بُرُد: يعني 48 ميلاً، وهوما يساوي 88 كم تقريباً .
  • القول الثاني: أنّ القصر يجوز في أي سفرٍ ما دام يسمى سفراً طويلاً كان أم قصيراً، ولا حدّ له .
    وهذا مذهب الظاهرية، والحنابلة، واختاره ابن قدامة، وابن تيمية، (والشوكاني قال: الحاصل أنّ هذه التقديرات لا تدل على عدم جواز القصر فيما دونها، مع كونها محتملةٌ أنّ يكون قاصداً لسفر وهو خلف ذلك المقدار، وأن يكون ذلك هو منتهى سفره؛ فالواجب الرجوع إلى مايصدق عليه أنه سفر، وأنّ القاصد إليه مسافر، ولا ريب أنّ أهل اللغة يطلقون اسم المسافر على منّ شدّ رحله، وقصد الخروج من وطنه إلى مكانٍ آخر، فهذا يصدق عليه أنه مسافر وأنّه ضاربٌ في الأرض، ولا يطلقون اسم المسافر على من خرج مثلاً على الأمكنة القريبة من بلد لغرض من الأغراض، فمن قصد السفر قَصرإذا حضرته الصلاة ولو كان في ميل بلده، وأما نهاية السفر فلم يرد مايدّل على أنّ السفر الذي يقصر فيه الصلاة وهو أنّ يكون المسافر قاصداً لمقدار كذا من المسافة فما فوقها.
    وقد صحّ النهي للمرأة أنّ تسافر بغير محرم ثلاثة أيام، وفي رواية”مسيرة يوم وليلة” وفي رواية أخرى”أنّ تسافر بريداً”، فسمّى النبي صلّى الله عليه وسلم كل ذلك سفراً، وأقله البريد؛ فكان القصرُ في البريد واجباً، ولكنه لا ينبغي ثبوت القصر فيما دون البريد إلا أنّ يثبت عند أهل اللغة، أو في لسان أهل الشرع أنّ من قصد دون البريد لا .

هناك أدلة من الكتاب منها:
قال الله تعالى: ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا )” النساء101″ .
فهذه الآية مطلقة في قصر الصلاة في كل ضربٍ في الأرض، وليس فيها تقييدٌ بالمسافة او الزمن .

هناك دليل من السنة وهو:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:( صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين،
وأبا بكر وعمر، وعثمان كذلك رضي الله عنهما) “
رواه البخاري” .





شارك المقالة: