قيام موسى عليه السلام بدعوة فرعون لإخلاء سبيل بني اسرائيل

اقرأ في هذا المقال


قيام موسى عليه السلام بدعوة فرعون لإخلاء سبيل بني إسرائيل:

قال الله تعالى: “وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ” الشعراء:10-11. والقوم الظالمين هم الذين ظلموا أنفسهم فجعلوا نداً وشريكاً، والشركُ ظلمٌ عظيم، والقوم الظالمين هم قوم فرعون قال لهم موسى: ألا تتقون ربكم؛ لأن هناك طلباً يكون في الامر فيقول لك: إفعل كذا، ومرة يتحنن إليك فيقول لك: ألا تفعل كذا، فهنا يقول ألا يتقون: أي يتقون الله في ظلمهم لأنفسهم، باتخاذهم فرعون إللاهً من دون الله، وظلمهم بني إسرائيل بأنهم كانوا يُذبحون أبنائهم ويستحيون نسائهم أي أنهم يذبحون الذكور دون الإناث.
ولا شك أن قوم فرعون سبب في تجبره وادعائهِ الألوهيةَ لأنهم لم يتصدوا لهم وأعطاعوه، فلو أنه حينما ادعى الألوهية وجدَ معارضةً من قومه، لا ستحى وما تجرأ بزعمِ أنه إله. ولكنهم وافقوه وأطاعوه، فهم شركاء في الجريمة، ولذلك هناك في اللغة طاغيةٍ وطاغوت؛ فالطاغوت هو الذي يُعينه الناس على أن يكون طاغوت، وموسى عليه السلام لم يأخذ الأمر من الله تعالى وينصرف لتنفيذه، ولكن لأنه يعرف مشقة المهمة التي كُلف بها، وأنه عايش فرعون ويعرف مدى ظلمه وجبروته، وقال مناجياً ربه: “قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ-وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَوَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ” الشعراء:12-14.
فهذا رجلٌ ادعى الالوهية، ومن الصعب أن يستجيب لرسول يدعوه من القوم الذين يستعبدهم هو، فخاف موسى عليه السلام أن يكذبوه، وساعةً يكذبونه فيضيقُ صدره؛ لأنه سيشاهدُ باطلاً يُجابهُ حقاً واضحاً، وإذا ضاق الصدر تلجلج اللسانُ فلا يستطيع أن يتكلم الكلام المُقنعِ؛ لأن الغضب يجعله لا يعرف أن يرتب كلامه وأفكاره، فلا يحسن التعبير عما يُريد، ولذلك طلب موسى من ربه أن يُرسل معه أخاهُ هارون ليعينه في هذه المهمة الشاقة، حتى يُساعده في توصيل الدعوة إلى فرعون وقومه.
كما أن المسألة ليست عاديةً بين موسى وبين فرعون وقومه؛ لان لهم ثأراً قديماً عنده، لأنه قتلَ منهم واحداً مع أنه لم يكن يقصد قتله، فهو يخاف أن يقتلوه بسببه ولكن الله أخبرة بأن هذا لن يحدث. ولذلك قال تعالى :“كلّا” الشعراء 15. و“كلا” حين ترد تنفى ما قبلها ،هنا ثلاثة أشياء : “أخاف أن يكذبون“، “ويضيقُ صَدري ولا ينطلقُ لساني“. “فأخاف أن يٌقتَلُون” فكلّا هنا منصبة على نفي ما يكون من موسى، مثل ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان، لكن تكذيب ليس منه وهم سيكذبونه فعلاً “فكلّا” وقوله: “فأخافُ أن يُقتَلُون”. فقال له ربه: “كلّا” أي اطمئن أن هذه الأشياء لن تحدث وكلمةُ كلا لها شأنٌ مع موسى، فاللهُ علمها له وهو حفظها؛ ولذلك حينما خرج موسى عليه السلام من مصر هو وأصحابه واتبعه فرعون بجنوده، ورأى أصحاب موسى فرعون وجنوده من خلفهم والبحر من أمامهم، فخافوا وقالوا: “إنّا لمدركون” الشعراء:61. فقال لهم موسى بإيمان الواثق من نصر ربه كلا أي أنّ هذا لن يحدث وهذا ليس بقوته هو، ولكن بقوة الله الذي أرسلهُ؛ لذلك قال: كلا إنّ معي ربي سيهديني.
فهنا الله تعالى يقول: “قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ” الشعراء:15. أي فاذهبا بالمعجزات الدالة على أن موسى رسولٌ صادقٌ من عند الله، وأنه جاء بمعجزةٍ وهذه الآيات هي العصا، وبياض اليد من غير سوء حين يُخرجها من جيبه. وقول الله تعالى: “إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ” وفي آيةٍ أخرى قال: “قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ” طه:46. لأن الإيذاء قد يكون من السمع فقط في أول اللقاء، وقد يكون من السمع والعين بعد ذلك، كما يقول تعالى: “فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَفَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ” الشعراء:16-17.
فهنا لم يقل إنا رسول ربّ العالمين، لأن الرسول هو الواسطة من المُرسل إلى المُرسل إليه، فإنّ كان واحداً يصحُ وإن كان إثنين أو ثلاثة فهم رسلٌ أيضاً، وهما حينما يلتقيان بفرعون، لم يتكلم الإثنان في نفسٍ واحد، ويقولا إنّا رسول ربّ العالمين، ولكن سيتكلم أحدهما ويؤمن الثاني على كلامه، أو يسكت. فسكوتهُ أو تأمينه كأنه قال: ولذلك حينما دعى موسى على فرعون وقومه قال: “رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” يونس:88. وقال له ربه: “قد أجبتُ دَعوَتُكمُا” يونس:89. ويقصد دعوة موسى وهارون؛ لأن موسى كان يدعو هارون ويؤمن، والمؤمن إحدى الداعين.

ما هو طلب موسى عليه السلام من فرعون؟

إن الأصل في رسالة موسى إنه لم يأتي لدعوة فرعون إلى الإيمان بالله، ولكنه جاء ليُخلص بني إسرائيل من العذاب، ثم يلتفت إليهم ليُعطيهم المنهج، لكن الكلام في الإيمان والحوار مع فرعون عن الألوهيةِ تِبعاً للقصة، فموسى جاء لإنقاذ بني إسرائيل؛ ولذلك يقول الله تعالى في آيةٍ أخرى: “فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ” طه:47.


شارك المقالة: