مظاهر تدل على كرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
إن كرم الرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم- يعتبر مضرباً للمثل، حيث أن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- لم يرد أي سائل أو محتاج إلا وكان يعطيه، حيث ذات مرة قد سأله رجل حلةً كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يلبسها، فدخل عليه الصلاة والسلام إلى بيته وقام بخلعها ومن ثم خرج بهذه الحلة في يده ومن ثم أعطاه إياها.
لا يُسْأل شيئًا فيمنعُه:
ومن مظاهر كرم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي محمد كان يعمل على مضاعفة البذل والعطاء في العديد من مواسم الخير والأزمنة والأوقات الفاضلة مثل شهر رمضان المبارك، وهو ما روي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ.. فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (متفق عليه).
وفي ذات مرة أهدت امرأة إلى النَّبيِّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هدية كانت عبارة عن عباءة منسوجةً، فقالت تلك المرأة: “يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجلٌ مِن الصَّحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسنَ هذه! فاكْسُنِيها!! فما كان من المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أن أجاب الرجل وأهداها له مع حاجته إليها وعلم الرجل بذلك!!،فعندما قام النَّبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لاموه أصحابه الكرام، فقالوا: ما أحسنتَ حين رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها، ثمَّ سألتَهُ إيَّاها، وقد عرفتَ أنَّه لا يُسْأَل شيئًا فيمنعه».. وهذا ما عُرِف عنه صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: «رجوتُ بركتَها حين لبسها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ لعلِّي أكفَّن فيها!!»” (رواه البخاري).
وقد وصفت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها النبي الكريم محمد حيث قالت: “كان خُلُقه القرآن، وكان ممن قال الله فيهم: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) “[الحشر:9].
يعطي عطاء من لا يخشى الفقر:
لقد حاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم وأفضل الدرجات والمنازل وأشرفها؛ وذلك بسبب أنه من أفضل أهل الكرم والجود؛ حيث كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يُعطي ويتصدق بسخاءٍ كبير، وكان من تلك المواقف ما حصل مع أحد الرجال من الأعراب، عندما جاء ذلك الرجل الأعرابي إلى سيد الكرم والجود النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فرأى ذلك الرجل الأعرابي قطيعًا كبيراً من الشاة قد ملأ ذلك القطيع واديًا بأكمله، فما كان من ذلك الرجل الأعرابي إلا أن طمع في القطيع وطمع في كرم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فسأل الرجل الأعرابي النبي محمد أن يقوم بإعطائه كلّ الشاة الموجودة في الوادي، فما كان من سيد الكرم والجود إلا أن أعطاه كل ذلك الشاة، فرجع الرجل الأعرابي مستبشرًا في غاية الفرحة والسرور إلى قومه وقال لهم: “يَا قَوْمِ؛ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الْفَاقَةَ” (رواه مسلم).
كما كان لتلك الأفعال من النبي محمد صلى الله عليه وسلم دور كبير في دخول الأعراب إلى دين الله الإسلام وكان له أثرٌ كبير وعظيم نفوسهم، فهم من كانوا يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين بمجيئهم أن يعودوا بالغنم والبعير الموجود، وان يعودوا بالمال من الدنانير والدراهم، فكان ذلك الموقف دافعاً كبيراً لدخولهم دين الله الإسلام؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعطي عطاء مَنْ لا يخشى الفقر.
لقد وصل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم درجة الكمال الإنساني وذلك في محبة رسولنا محمد للعطاء، حيث كان أفضل الخلق إذ يعطي عطاءاً لا يحسب له أي حساب ولم يكن يخشى الفقر، بسبب ما يملكه سيدنا محمد من ثقةً عظيمة وكبيرة بفضل الله وكرم الله وجوده عز وجل، وكان إيمانه كبيراً بأنَّ الله عز وجل هو صاحب الرزق وهو ذو الفضل العظيم وهو من يرزق بغير حساب.
عن أنسٌ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا”. (رواه مسلم).
أَجْوَدُ الناس كفًّا:
كان سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إِذا نَعَتَ ومدح رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ خَالَطَهُ فَعَرَفَهُ أَحَبَّهُ»” (رواه الترمذي).
وقال الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “«مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لَا»” (رواه البخاري).
ينثر المال في المسجد:
ومن المظاهر التي تدل على جود وكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو ما ورد من حديث الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه: “أُتِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين»، فقال: «انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ»!!! «وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثَمَّ منها درهم أي: وزعها جميعا، فلم يبق منها درهمًا واحدًا لنفسه !!” (رواه البخاري).
يحث أصحابه على الجود:
كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحثُّ أصحابه الكرام رضوان الله عليهم على العطاء والإنفاق والصدقة والكرم، لهذا قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ»، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا». وَيَقُولُ الآخَرُ: «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»”. (رواه البخاري).
وقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» قَالُوا: «وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» قَالَ: «يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ»” (رواه مسلم).
يقسم المال ولو كان بعدد شجر تهامة:
إن عطايا النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً حيث كان يمنحها حتى يألّف بها قلوب ممن اسلموا حديثاً، حيث أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات وهي غزوة حنين أعطى عدداً من الرجال وهم “عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، والعباس بن مرداس، وأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية رضي الله عنهم” الكثير من الإبل، وعندما رجع رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة قدم بعض من الأعراب يسألون رسول الله، فقال لهم: “«أَتَخْشَوْنَ عَلَيَّ الْبُخْلَ؟! فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا [أي: أنعامًا] لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا»” (رواه أحمد).
لم يكن يحتفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال له، بل كان صلى الله عليه وسلم يوزعها على أصحابه الكرام، فكان أكثر الناس عطاءاً، والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعلم بشكل كبير جداً أن المال هو عبارة عن وسيلة ولم تكن غاية، فاستخدم النبي الكريم محمد تلك الوسيلة حتى يؤلف بها قلوب زعماء ورجالات مكة المكرمة وأيضاً العديد من رجال القبائل من الأعراب؛ ولذلك كان جود النبي يعتبر سببًا في رسوخ دين الله الإسلام في صدورهم وقلوبهم.
لقد كان كرم النبي محمد وجوده بالعلم والتعليم والمعرفة وبيان الطريق الصحيح من الطريق الخطأ، وكان كرم النبي للناس وبالوجاهة في الشفاعة للناس، وكرمه بالكلمة التي تدخل الفرحة والسرور والمحبة والابتسامة للناس، وبالكرم والجود في طريقة التعامل معهم مع كل من هم حوله ومع كل الناس، وليس الجود والكرم بالمال فقط.
قال ابن رجب -رحمه الله-: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، وأكرم الناس بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- هم صحابته الأفذاذ؛ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصدقة فجاء عمر بنصف ماله، وجاء أبو بكر بكل ماله، وعثمان جهَّز جيش العُسْرة وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- مُثْنِيا عليه: “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” رواه الترمذي.
قال -عليه الصلاة والسلام-: “إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته” رواه مسلم، والإنفاق على الزوجة والولد بما يسد حاجتهم من أعظم الوجوه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك” رواه مسلم.