إمامة ولد الزنا:
لم يختلفوا الفقهاء في جواز وصحة إمامة ولد الزنا عند عدم وجود غيره من ولد الرشدة، أما وإنهم قد اختلفوا في إمامته مع وجود ولد الرشدة في عدّة أقوال ومنها:
القول الأول: إنه تجوز إمامتهُ مطلقاً دون كراهة، وهذا كان مذهب الحنابلة، ويحق له ذلك إذا كان مرضياً وتوفير الأهلية للإمامة، وسلم في دينه. وكان دليلهم على ذلك مايلي:
1- قول الله تعالى” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ “الحجرات:13.
2- يكون إمام القوم، أقرؤهم لكتابِ الله، فجعلوا مناط التقديم يكون بالعلم والفضل لا بالنسب.
3- قول عائشة رضي الله عنها” ليس عليه من وزر أبويهِ شيء”.
4- أيضاً ولأنه حرٌ مرضي في دينه فتجوز إمامته مثله مثل غيره.
5- وهناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أن صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله.
القول الثاني: تجوز إمامة ولد الزنا، مع الكراهة، وهذا مذهب الحنفية، وبعضٌ من الشافعية، والدليل على ذلك مايلي:
1- إن مبدأ أداء الصلاة يكون على العلم، والغالب على ولد الزنا الجهل؛ وذلك لفقدانه من يؤدبه ويعلمه معالم الشريعة.
2- ولأن الإمامة أيضاً هي أمانة عظيمة، ولأنها تؤدي إلى تقليل الجماعة. قال العيني صاحب البناية: يكره تقديم ولد الزنا لأنه ليس له أب يؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل، ولأن في تقديمه تتغير الجماعة، لأن القوم يؤذن به ولا يرضون به إماماً.
القول الثالث: إنه لا تكره إمامة ولد الزنا، ولكن يُكره أن يكون إماماً راتباً، وهذا مذهب المالكية، وقول الشافعي، أنه قال: ويُكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إماماً؛ لأن الإمامة هي موضع فضل، وتجزي من صلى خلفه صلاتهم.
والدليل على صحة ما ذهب إليه الإمام مالك أن موضع الإمامة هو موضع رفعةٍ وتقدير يناظر صاحبهُ، ويُحسد على موضعه، ومن اتصف بهذه الصفة كرهٍ له أن يعرض نفسه لألسنة الناس، وأن يبتعد عن الطعن والسب. والذي يدل على أن موضع رفعة وتقدم على الناس في أهم أمر الدين وأجل عبادة المسلمين، وهي ممّا يلزمه الخلفاء وتقوم به الأمراء والإمامة موضع شرف ورفعة وعلو منزلة، فيُكره أن يقوم لذلك من فيه شيء النقائص المرذولة.
وبعد استعراض أقوال الفقهاء، وأدلتهم فإنهم قد ذهبوا واختاروا القول الأول، وهو إيجاز إمامة ولد الزنا بدون كراهة، إذا توفرت فيه صفات الأهلية للإمامة، وذلك:
– لقوة أدلة القول الأول.
– وإن تولي المناصب لا يشترط له النسب، والنسب إنما الأصل فيه أنه للتعارف لا للتفاضل.
– أدلة القول الثاني لا تخلو من المعارضة من وجوهٍ وهي:
1- إن قولهم يكثر عليه الجهل؛ لأنه ليس لولد الزنا أب ينسب إليه، ينقض باليتيم الذي ليس له أب يعلمه، ولا خلاف في إمامته.
2- أما إذا قالوا إن إمامته تؤدي إلى التقليل والتنفير للجماعة، فإنما يكون ذلك ممّن كان فيه عيب بذاته أو من فعل أبيه، ثم لو كانت إمامة من زنى أبوه تنفيراً لكانت إمامة من كفر أبوه أشد تنفيراً، ولم يقل بذلك أحد، فلو نفر أحد من ولد الزنا الصالح فلا يكون ذلك النفور معتبر شرعاً.
أما الرد على دليل القول الثالث، وهو إن الإمامة هي عبارة عن موضع فضل ورفعة، فيُكره تقديم ولد الزنا، بأن كون الإمامة بأنها موضع فضل ورفعة وشرف لا يتنافى مع كون الإمام ولد زنا إذ تدرك الفضيلة بالعمل التقيّ لا بالنسب.