كيف أخبر الله تعالى موسى عليه السلام عن فتنة قومه؟

اقرأ في هذا المقال


إخبار الله تعالى موسى عليه السلام عن فتنة قومه:

لقد أخبر الله موسى عليه السلام بما حدث في قومه بعد ان تركهم لميقاته، إذ قال الله تعالى: “قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ“طه:85. أي بمعنى اختبرنا قومك أي أن السامري أضلّهم، ومعنى أضلهم أي سلك بهم طريقاً غير طريق الحق، وسلوك غير طريق الحق، وقد يكون الذاتية المحضة، فإنّ سلوك قد يكون ضلّ وحده، ولكن إنّ ضلّ غيره يكون عليه وزرهم، فعليه وزرُ ضلاله ووزرُ الضالة للغير، ولذلك يقول تعالى: “لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ النحل:25. فبعض المستشرقين يعترضون على القرآن، فيقولون: كيف يقول القرآن: “لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم” مع انه يقول في آيةٍ أخرى، “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ” ويقول لهم: انتم لا تفهمون اللغة العربية؛ لانكم تأخذون اللغة كصناعة، وليس كملكةً قطرية، وإلا كنتم فرقتم بين أن يضلوا في ذاته، فهذا عليه وزر، وأن يتسبب في إضلال غيره، فهذا وزرٌ آخر.

من هو السامري:

السامري: هو موسى السامري، وموسى لما سمع بهذا الفتنة في قومه، ورجع إليهم غاضباً، قال: “فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي” طه:86. ومعنى أسفا: أي عنده حزنٌ شديد على ما حدث من قومه وسألهم: قال تعالى: “قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ” أي بأن يُعطيكم التوارة، وفيها أصول حركة الحياة، وفيها المنهج الذي يُحسنُ حياتكم في دنياكم، ويُحسن ثوابكم في الآخرة، ومعنى “ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ” على عهدي طال بكم لدرجة أنّ تنسوا تعاليم ربكم؟ فأنا لم أغب عنكم إلا بضعةً وثلاثينَ يوماً، فأنا لم أغب عنكم كثيراً أم أنكم تريدون أن ينزل عليكم غضب الله، وإذا كنتُ بينكم ولم أغب عنكم إلا مدةً قصيرةً، فماذا ستفعلون من بعدي.
إن موسى يستنكرُ على قومه أنّ يضلوا، وهو يعيش معهم ولم يغب عنهم إلا أقلّ من أربعين يوماً ذهب فيها إلى ميقات ربه، ومعنى فأخلفتم موعدي فهذا يُشير إلى أنّ موسى كان له موعدٌ مع قومهِ، حيث أوصاهم قبل أن يذهب إلى ميقات ربه، وقال لهم: اسلكوا طريق هارون واستمعوا لأوامرهِ حتى أرجع، فهو الذي سيخلفني فيكم، فكأن موسى عليه السلام يقول لهم: حتى وإن طالَ عليكم العهد مني فمعكم هارون، وهو ليس فرداً عادياً، ولكن الله أشركه في الرسالة، فكان يجب أن يكون له مهابة في الرسالة، وأن تسمعوه وتطيعوه، فمعنى“ما اخلفنَا موعدك بملكنا” أيّ نحن لم نخلف موعدك بإرادتنا، لكن حدثت أشياءُ أقوى منا، والاوزار: هي جمعُ وزر، والوزرُ هو شيءٌ ثقيل وهو الحملُ على النفس. كما يطلق الوزرُ على الإثم؛ لانه يثقل على النفس ثقلاً يتعهدها في الآخرةِ أيضاً. ولكن ما هي الأوزار التي حملوها.

من هم حملة الأوزار في قصة موسى عليه السلام؟

إنّ هذه الأوزار كانت من زينة القوم، وهو قوم فرعون، وقصتها أنهم كانوا في أعيادهم يستعيروا كل واحدٍ من بني إسرائيل شيئاً من حُلي القبط؛ ليتزينوا به في أيام الأعياد، وقد أخذوا هذه الحُلي ولم يستطيعوا أنّ يردوها إلى أصحابها؛ لأنهم أرادوا أن يسروا ساعة خروجهم؛ حتى لا يستعدُ أحدٌ لصدمهم ومنعهم من الخروج، ومعنى قذفناها: القذف وهو الرميُ بشدةٍ، وكأن الرامي يتأففُ من حملِ هذا الشيء، فبني إسرائيل قذفوا هذه الحُلي وهذا دليل على أن عندهم ساعتها إيماناً؛ لأنهم غضبوا لأخذهم هذه الأمانات وعدم استطاعتهم بردها لأصحابها، ولذلك نجدُ أن موسى السامري دخلَ عليهم من هذه الناحية، فقال لهم: فلن تبرؤا من هذا الذنب إلا بأن تُلقوا بهذه الحُلي في النار مع أنه كان يقصد إلى شيئاً آخر، وهو أن الذهب سينصهر، ويخرج منه الخُبث.
وإذا أمعنا النظر في السياق القرىني نجد في قول الله تعالى: “فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ” فعندما تحدثَ عن بني إسرائيل قال: فقذفناها، وعند الحديث عن السامري قال: ألقى، والإلقاء فيه لطفٌ عن القذف. ثم يقول الله تعالى: “فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ” طه:88. فالقوم حينما ألقو الحُلي في النار لا بدّ انها انصهرت، ولكنها لا يمكن أنّ تتشكل على هيئةِ عجلٍ إلا إذا كان للسامري عملٌ فيها، فصنعها على هيئة عجل.

لماذا اختاروا العجل بالذات؟

لقد قالوا باختيار العجلِ بالذات؛ لأن بني إسرائيل بعد أنّ جاوزوا البحر، وجدوا قوماً يعكفون على أصنامٍ لهم، فقالوا لموسى عليه السلام: “اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚالأعراف:138. إذن تشوقهم إلى الوثنية موجود. فالسمري استغل هذا التشوق ولم يصنع لهم صنماً من حجر، ولكنه صنع لهم صنماً من ذهب، “فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ“. والخوار هو صوت البقر، وقيل: إنه صنعه بطريقةٍ خاصةٍ، بحيث إذا دخل الهواء من جهة يخرج من الأخرى، ويعطي صوتاً مثل خوار البقر كما يحدث الآن في بعض المزامير، فهذا فن وصنعةٌ، وقوله: “عِجْلًا جَسَدًا” كلمة جسد ذكرها الحق تعالى في حالتين اثنتين في الآية السابقة، وفي قصة سليمان عليه السلام في قوله تعالى: “وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ” ص:34.، ومعنى “فَتَنا” أي اخترنا.
فالسامري أخرجَ لبني إسرائيل عجلاً جسداً له خوار، وقالوا عن هذا الجسد: “هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ” طه:88؛ لأنهم طلبوا صنماً فصنع لهم عجلاً له صوت، فهذا ارتقاء في الصنعة، ومعنى: “فنسيَ” أي نسي خميرة الإيمان الموجودة فيه، وأنّ هذا خروج عن الإيمان إلى الكفر، وليتهُ يكفر وحدهُ، ولكنه يريد أن يكفر القوم معه، فلا بدّ أنه نسي؛ لأنه لو كان على ذكر من خيبةٍ هذا الفعل ما فعله، ثم يقول تعالى: “أَفَلَا یَرَوۡنَ أَلَّا یَرۡجِعُ إِلَیۡهِمۡ قَوۡلࣰا وَلَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا” طه:89. أي كيف يعبدون هذا العجل مع أنه لا يرد عليهم جواباً، ولا يملك لهم أي ضرٌ أو نفع؟ فلو، فلو كان عندهم ذرة عقلٍ ما فعلوا ذلك، ولذلك حين يتحدث القرآن الكريم عن الكفر قال تعالى: “كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” البقرة:28. فكأن الكفر باللهِ جريمةً شنيعةً وعجيبةً لا يمكن لأي عقل أن يُقرها؛ فهنا استغراب لما فعله بنو إسرائيل من عبادة العجل؛ لأنهم لو فكروا قليلاً لوجدوا أنهم لو كلموا هذا العجلَ فلن يردّ عليهم إنّ سألوه، ولا يملك لهم ضرّاً إنّ كفروا به ولم يؤمنوا، ولا يملك لهم نفعاً إنّ آمنوا به وعبدوه.


شارك المقالة: