اقرأ في هذا المقال
الصلاة بخشوع تقر العين وتريح القلب:
لا شك أنّ الصلاة قرةً للعين للنبي عليه الصلاة والسلام، وراحةً لقلبهِ وروحهِ؛ وذلك لحلاوةِ مناجاتهِ لرّبه؛ ولخشوعه، وحضور قلبهِ بين يدي الله تعالى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حُبب إلي النساء والطيبُ وجعلتُ قرة عيني في الصلاة”، وقوله حُبب إلى النساء، أي إنما حُبب إليه النساء لينقلنّ عنهُ من أمور الشريعة ما لا يطلع عليه الرجالُ، ومن أحوالهِ والاستحياء من ذكرهِ، وقد جعلَ اللهُ النسوة ينقلنّ أحكام الحيضِ والنفاس والغُسلِ والعدةُ وينقلنّ أيضاً من الشرع ما يشاهدنهُ من أفعاله، وقيل: حُبب إليه زيادة في الابتلاء والاختبار، والتكليف، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره وقيل غير ذلك والعلم عند الله تعالى.
وقوله: والطيبُ فكأنه حُبب إليه؛ لأنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، ويُقابل جبريل عليه السلام، والملائكةُ تتأذى ممّا يتأذى منه الإنسان، والعلم عند الله. وقوله: وجعلتُ قُرة عيني في الصلاة. أي أن النبي عليه الصلاة والسلام يحصل له السرور العظيم، واللذة العظيمة في صلاتهِ؛ لأنه يستحضر عظمة الله ويُناجيهِ، ويدعوه، فيحصلُ له كمال المُناجاة مع الرب تبارك وتعالى.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: وقرة عينهُ، تقرُ سُرّة، قال: كي تقرّ عينها، وقيل لمن يسرُ به قُرّت عين، قال: قُرّة عينٍ لي ولك، وقوله هب لنّا من أزواجِنا وذُرِياتُنا قُرّةَ أعينٍ” قيل أصلهُ من القرّ: أي من البرد، فقرة عينه، وقيلَ: معناه بردة أي فصحت، وقيل: لأن السرور دمعة باردة وقارة، وللحزنِ دمعة حارة، ولذلك يُقال لمن يدعي عليه أسخن الله عينهُ، وقيل: هو من القرار والمعنى، أي أعطاه الله ما تسكنُ به عينهُ فلا يطمحُ إلى غيره.
والنبي عليه الصلاة والسلام مهما يحصلُ له من السرور العظيم وحلاوة مناجاة الله، تحصل له الراحة فيها؛ لكمالِ مناجاتهِ إلى ربه، واستحضارهِ لعظمتهِ والوقوف بين يديهِ؛ ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلم، قُم يا بلالُ فأرحنا في الصلاة، وفي لفظِ يا بلالُ أقم الصلاة أي أرحنا بها.
رأي ابن القيم في الصلاة:
قال الإمام ابن القيم رحمهُ الله: الصلاة، إنّما تُكفر سيئاتِ من أدى حقها، وأكملَ خشوعها، ووقف بين يدي الله بقلبه وقالبهِ، فهذا إذا انصرف منها ووجد الخفة من نفسهِ، وأحس بأثقال قد وُضعت عنهُ، فوجدا نشاطاً وراحةً وروحاً حتى يتمنى أنه لم يكن خرجَ منها؛ لأنها قُرة عينهُ ونعيمَ روحهِ وجنةَ قلبه، وراحةً في الدنيا، فلا يزالُ كأنه في سجنٍ وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها لا منها، فالمُحبونَ يقولون: نُصلّي فنستريحُ بصلاتنا، كما قال إمامهم، وقدوتهم ونبيهم عليه الصلاة والسلام: “يا بلالُ أرحنّا بالصلاة” ولم يقل أرحنا منها، وقال صلّى الله عليه وسلم، وجعلتُ قُرة عيني في الصلاة، فمن جُعلت قرة عينهِ في الصلاة، كيف تقرُ عينهُ بدونها، وكيف يُطيقُ الصبر عنها، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله، أن المقصود ما تقرُ به العين أعلى من مُجرد ما يحبه، فالصلاةُ قُرة عين المحبون في هذه الدنيا؛ وذلك لما فيها من مناجاةٍ من لا تقرُ العيون، ولا تطمئنُ القلوب، ولا تسكن النفوس إلا إليه، والتنعمُ إليهِ والتذللُ والخضوع له والقُربُ منه، ولا سيما في حال السجود، وتلك الحال أقربُ ما يكون العبدُ من ربه فيها. ومن هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: “يا بلال أرِحنا بالصلاة” فيجب أن نعلم أن راحته عليه الصلاة والسلام في الصلاة.
كما أخُبر أن قُرة عينه فيها، فأين هذا من قولِ القائلِ أي نصلي ونستريحُ من الصلاة، فالمُحبُ راحتهُ وقرة عينه في لصلاة والغافلُ المُعرض ليس لهُ نصيبٌ من ذلك؛ بل إنّ الصلاة كبيرةً وشاقةً عليه، إذا قام فيها كأنه على الجمر حتى يتخلص منها وأحب الصلاة إليه أعجلها وأسرعها؛ فإنه ليس له قرّة عينٌ فيها؛ ولا لقلبهِ راحةً بها، والعبدُ إذا قرّة عينهِ بشيء واستراح قلبهُ به، فأشقُ ما غليه مفارقتهُ، واالمتكلف فارغ القلب من الله والدار الآخرة المُبتلى بمحبة الدنيا أشقُ ما عليه الصلاة، وأكرهُ ما إليه طولها مع تفرغهِ وصحنهِ وعدم اشتغاله.
فضل الصلاة بخشوع على المسلم:
إننا نعلمُ أن الصلاة شملت كلّ أنواع العبادة سواء من الاعتقاد بالقلب والانقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود والاطراح بين يديه وعلى أقوال اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والاستغفار والاستغاثة والافتقار إلى الله تعالى والثناء عليه والاعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والاعتدال والخفض والرفع وغير ذلك.