غضب الله تعالى على عبدة العجل في قصة موسى عليه السلام:
قال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ” الأعراف:152. حين يُقال اتخذوا العجل أي أخرجوه عن مهمتهِ في الحياة، واتخذوه لشيء أخر اخترعوه هم ؛اتخذوا العجل إلها معبودا؛ لأن كل المهام التي هي دون ذلك، والتي يصلح لها العجل؛وهي مهام العجل المخلوق لها. ولذلك فإن الحق سبحانه تعالى “إن الذين اتخذوا العِجّل سينالهم غضبٌ من ربهم وذلةٌ في الحيوةِ الدنيا” وغضب الله لا ينزل على الذين اتخذوا العجل لما خلق له ولكن على الذين اتغذوه لغير ما خلق له.
وقول الله سبحانه وتعالى: “سينالهم “؛ دليل على أن الغضب، والذلّةُ لم تنزل بهم بعد، ولكنها ستأتي، فالله تعالى تعالى يقول: “في الحياة الدنيا” ولم يقل في الىخرة، فهذا دليل على أنّ الحق يعلم أنهم سيتوبون إليه بعد أن تُلقى عليهم العقوبة، والله تعالى يقول في آيةٍ اخرى: “فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ” البقرة:54. أي أن الله تعالى من غضبه عليهم جعل طريق توبتهم إليه أن يقتلون أنفسهم، وهذا منتهى الذلةُ والغهانة، ثم بعد غضب الله، جاءت رحمته فقبل الله توبتهم.
إذن فالله تعالى يقول: “سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ” هذا دليلٌ على غضب الله، نزل عليهم فأصابتهم ذلةٌ؛ لأن الله تعالى طلب منهم أن يقتلوا أنفسهم فأصبحوا أذلاء، فالإنسان الذي يُكتب عليه أن يقل نفسه يشعرُ بالذلة والهوان ولا تكونُ له عزةٌ.
وقال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ” أي أن هذا دليل على أن هذا العقاب لا ينزلُ على بني إسرائيل خاصةً ولكن كلّ من يفتري على الله ينالهُ غضبٌ وذلةٌ في الحياة الدنيا، ويجب علينا أن ننتبه إلى العبرة من هذه الآيات، فالمسألةُ ليست رواية لتاريخ بني إسرائيل، ولكن يعتبر السامع من سرد القصة. وفعل التوبة فيه عودةٌ للإيمان، وقبول الله للتوبة هو قمة عودة العبد المذنب غلى ربه، على إننا لا بدّ أن نلاحظ قول الله سبحانه وتعالى، ثم تابوا من بعدها وآمنوا، فكأن السيئات التي فعلوها نقصت من إيمانهم؛ ولذلك لا بدّ ان يجددوا إيمانهم، لأن السيئة غفلة عن الله تعالى، فلا تحدث السيئة ولا المعصية إلا إذا غفل الإنسان عن ربه، ولذلك عندما يأتي الإنسان ليتوب لا بدّ أن يجدد إيمانه ويتعهد بأنه لن يغفل عن هذا الإيمان أبداً.
فالمعصية: هي مخالفة العبد لمنهج الله، والتوبةُ هي العودة إلى هذا المنهج، وقول الله تعالى “إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيم” لقد لفت لنا أن لا نذكر المذنب التائب بذنبه؛ لأنه إذا كان الله عزّ وجل غفر له، فكيف نتجاهل نحنُ غفران الله، ونقول له يا زانٍ أو يا سارق؟ وما دام الإنسان قد تاب، فعلينا أن نبتعد عن الفكير بذنبه من جديد، لأن هذا يؤلمه وقد يجعله يعود للذنب.
نبذة عن حياة السامري:
إنّ السامري هو شخصٌ أمهُ قد وضعتهُ في الصحراء، وبعد أن وضعتهُ ماتت في النفاس، وتركتهُ وحيداً في الصحراء، لا يجد من يقوم برعايته، قالوا: فكان جبريل عليه السلام، يتعهدهُ بالرعاية والتربية حتى كبر، فالذي ربّى السامري هو جبريل عليه السلام والذي ربّى نبي الله موسى عليه السلام هو فرعون، لذلك قال الشلعر عن هذا الأمر العجيب فقال:
إذا لم تصادف في بنيك عنايةً
فقد كذب الراجي وخاب المؤمل
فموسى الذي رباهُ جبريل كافر
وموسى الذي ربّاهُ فرعونَ مُرسلُ.
فموسى عليه السلام حينما ترك القوم وذهب لميقات ربه، استخلفهُ عليهم هارون، وأوصاهُ أن يُصلح أمور القوم ويمنعهم من أي فساد، قال تعالى: “وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ” الأعراف:142. ومعنى أصلح أي اعمل الصالح، وبذلك أباح موسى لهارون أن يقدر المسائل التي يراها، ويعمل على إصلاحها قدر استطاعته، وهذه ستكون الشفاعة التي تشفع لهارون عند أخيه موسى عليه السلام بعد عودته غاضباً حينما رأى من ضلال القوم وفسادهم؛ لأنه وعظهم ولم يستجيبوا.
قال تعالى: “وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي” طه:90. لقد قال العلماء: إنّ عدد بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى عليه السلام كان ستمائةِ ألف، عبدوا العجل جميعهم إلا اثنى عشر رجلاً، وظلوا على عهدهم مع موسى عليه السلام وهارون، فلو أنّ هارون دخلَ معركةً مع القوم بهؤلاء المؤمنين القليلين، لقضى عليهم أتباع السامري، فهو رأى أنه من الأصلح أنّ يعظهم فقط، دون أن يدخل في مواجهةٍ معهم، وهارون بينّ لهم أنهم فُتنوا بهذا العجل الذي صنعهُ السامري، وأنّ ربهم هو الله صاحب الرحمة الواسعة، وذكّرهم بأن موسى عليه السلام أمرهم باتباعه وإطاعةِ أمره، ولكنهم لم يستجيبوا، وكان ردّهم كما قال تعالى: “قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ” طه:91. أي أنهم لن يتركوا عبادة العجل، بل سيظلوا عاكفين على عبادته، حتى يرجع إليهم موسى. ومعنى كلمة “لن نّبرَحَ” أي أنهم سيظلون في مكانهم أو على حالهم الذي هم عليه من عبادة العجل، ولن يفارقوا الحالُ الذي هم عليه حتى يعود إليهم موسى عليه السلام.