رمضان المساواة:
فالمساواة: تعني بأنَّ الناس جميعهم يُفطرون في وقت واحد، ويمسكون في وقت واحد؛ الفقير والغني، الضعيف والقوي، الأبيض والأسود، الحاكم والمحكوم، الرئيس والمرؤوس، طالما يدينون بالإسلام وينوون الصيام، فهم في وقت الإفطار والإمساك سواء، وفرض رسولُ الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ “زكاة الفطر” بنفس القدر على الفقير والغني، الضعيف والقوي، الخفير والوزير، الكبير والصغير، الأبيض والأسود، وفي ذلك أيضًا مساواة.
إنَّ الصوم يُولِّد في الأفراد الشّعور بالمساواة، حتى يندفعوا إلى تلبية الوازع الداخلي؛ لرفع مستوى الفقير، كما أنَّ التعاليم الصحيحة تدفع الأجهزة المعويَّة إلى توزيع خلاصات الأغذية على العضلات بنسبة عادلة، بينما الاشتراكية تقطع هذا بالحديد والنار لتوفّر على ذاك كما لو أردنا التسوية بين عضلات إنسان مترهل، فقطعنا اللحوم المنسدلة من البطن والأكفال لنلصقها بالمناكب والأعضاء.
والمساواة هي التي تحوي الحقّ والباطل، وهو لفظٌ مشترك في الخير والشرِّ، وأكثر من يستعملهُ وينادي به الآن إنما يريد الباطل والشرَّ الذي فيه ، فاستعمالهم له إنما هو لجعل الناس سواسية متساويين لا يفرَّق بينهم بسبب الدين، ولا الجنس ، فنادوا بمساواة المرأة بالرجل في كافّة المجالات حتى تلك التي من خصائص الرجال، كما نادوا بالمُساواة في المواطنة، وأنَّه لا ينبغي أن يكون الدين مفرِّقاً بين الناس، فجمعوا بين المُوحّد والمشرك، والمسلم والوثني، وجعلوهم في سياق واحد، لا يفرق الدِّين بينهم .
وأمَّا الخير والحق الذي في هذا اللفظ فهو أن المسلمين متساوون أمام الشرع في أحكامه، وتكاليفه، فلا يُفرَّق بين شريف ووضيع في إقامة الحدود، ولا بين الرجل والمرأة، إذا جاء أحدهم بما يستحقّ به جلداً، أو رجماً، أو قتلاً، وقد جاءت أمثلة عملية على ذلك، فحين سرقت امرأة من قبائل العرب الشريفة ، استحقت قطع يدها : جاء من يشفع لها عند النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، فغضب ، وقال : ( إنَّمَا أَهْلَكَ الذينَ قَبْلَكُم أنَّهُم كانُوا إِذَا سَرَقَ ِفيهُم الشَّريفُ تَرَكُوه ، وَإِذَا سَرَقَ فيهُم الضَّعيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ) متفق عليه ، وعندما عيّر صحابي آخر بأمّه السوداء : غضب الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وقال له: ( إِنَّكَ امْرُؤ فِيكَ جَاهِليَّة ) متفق عليه.
يقول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ:(صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، ويقول الله تعالى:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )”البقرة: 185″، ويقول ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ:(لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروه، وإن غمَّ عليكم فأتموا الثلاثين). فهذه الآية تدل على المساواة.
رمضان المواساة:
والمواساة: معناها الوقوف بجوار الفقير والمسكين، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، ولين الكلام، فضلاً على إفطار الصائم، إكرام المسكين، وإعطاء الفقير، فطوبى لمن واسى مكلومًا، ونصر مظلومًا، وأطعم أفواهًا، وكسا أجسادًا، ووصَل أرحامًا، وجعل يده ممرًّا لعطاء الله في هذا الشهر الكريم وذاك الموسم العظيم، شهر الطاعات، وموسم الحسنات، لقد بيَّن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فضائل خصَّها الله ــ عزَّ وجل ــ بالصائمين في رمضان، فقال: سمعت رسول الله يوم أهَلَّ رمضان يقول: لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلّها رمضان، وجعلت زكاة الفطر مواساة للفقير والمسكين، كيف؟
لقد فرضت على كلِّ مسلم ومسلمة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “فرَض رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ زكاة الفطر من رمضان”؛ رواه الجماعة، لحكمتين:
الأولى: تطهير الصائم من اللّغو والرَّفث الذي وقع منه في أثناء شهر رمضان.
الثانية: إطعام المساكين ومواساتهم في العيد، ودليل ذلك حديثُ ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ قال: “فرض رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين”؛ أبو داود.
وكذلك لتغنيهم عن السؤال يوم العيد، وبذلك يكون الصوم مساواة بين أفراد الأمة جميعًا في الإفطار والإمساك، ومواساة للفقير والمسكين، تقبَّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.