زكاة الفطر:
معنى زكاة الفطر: أي الزكاة التي سببها الفطر، وتسمّى أيضًا صدقة الفطر ولفظ الصدقة يطلق شرعاً على الزكاة المفروضة، وقد جاء ذلك كثيرًا فى القرآن والسنة كما تسمّى أيضًا زكاة الفطرة، وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة، وهي السنة التي فرض فيها صيام رمضان طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين وإغناءً لهم عن ذُلِّ الحاجة والسؤال فى يوم العيد.
لمن تعطى زكاة الفطر؟
تُصرف صدقة الفطر للمساكين والفقراء والمحتاجين، ولا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية لورود الأحاديث في ذلك، فمنها ما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “فرض رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” (رواه أبو داود، وابن ماجة، والحاكم وصححه).
وقوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: “طعمة للمساكين” أي طعام للمساكين، وهذا واضح في صرفها للمساكين دون غيرهم. ولما ورد في الحديث من قوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: “أغنوهم عن الطّواف هذا اليوم” (رواه الحاكم والدارقطني وغيرهما).
والمراد إغناء الفقراء عن المسألة في يوم العيد، فقال شيخ الإسلام ابن تيميةــ رحمه الله ــ في الحديثين السابقين: “إنَّ الله تعالى أوجبَ الإطعام كما أوجب الكفارة، وعلى هذا القول فلا يجزئ إطعامهما إلّا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم فلا يعطى منها المؤلفة قلوبهم، ولا الرقاب، ولا غير ذلك.
وقال ابن القيم رحمه الله: “وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة ولا أمر بذلك، ولا فعلهُ أحد من أصحابه ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا -أي عند الحنابلة- إنَّه لا يجوز إخراجها إلّا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية” (زاد المعاد في هدي خير العباد) .
وقد اختار بعض الفقهاء المعاصرين مثل الدكتور يوسف القرضاوي قولاً قريباً من ذلك وهو: (تقديم الفقراء على غيرهم إلّا لحاجة ومصلحة إسلامية معتبرة) فقه الزكاة.
وأمَّا بالنسبة لنقل صدقة الفطر: فالحال فيها كنقل زكاة المال من بلد إلى بلد آخر، فإنَّ الأصل أن توزَّع الزكاة في البلد الذي جمعت منه، ويجوز نقلها من بلد إلى آخر إذا كان هنالك مصلحة في نقلها، كأن يكتفي أهل البلد الذي وجبت فيه الزكاة فيجوز نقلها إلى بلد آخر، وأن ينقلها ليعطيها للأرحام والأقارب فهذا نقل جائز ولا بأس به. وكذلك إذا كان فقراء البلدان الأخرى أشدَّ حاجة من فقراء بلده فيجوز نقل الزكاة إليهم ولا بأس في ذلك إن شاء الله.
حديث زكاة الفطر:
عَن ابنِ عمَر ــ رضي الله عنهما ــ قَالَ:(فَرَض رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، زَكَاة الْفِطْرِ مِن رَمَضَان صَاعًا مِن تَمْر، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير عَلَى الْعَبدِ والْحرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِن الْمسلِمِينَ)” رواه الجماعَة”.
وَعَن أَبِي سَعِيد رضي الله عنه قالَ: (كنا نخرِج زَكَاة الفِطرِ صاعًا مِن طعامٍ، أَو صاعًا مِن شَعِيرٍ، أَو صَاعًا مِن تَمر، أَو صاعًا مِن أَقِط، أَو صَاعًا من زَبِيب)” أَخرَجاه بخاري ومسلم”.
فهذه الأحاديث الصَّحيحة كلها تتعلَّق بزكاة الفطر، والله جلَّ وعلا شرع لعباده ختم صيام رمضان بهذه الزكاة، وبصلاة العيد، وبالتكبير، والذكر؛ تعظيمًا لله عز وجل وشكرًا لهُ على نعمته بإكمال الصيام والقيام، وهي زكاة خفيفة، لكنَّها تنفع الفقراء والمساكين، وتجتمع لهم وتنفعهم، وهي بحمد الله ليست ثقيلةً على المخرجين، بل هي خفيفة: صاع واحد عن كل رأسٍ من قوت البلد، من طعامهم، على الذكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والصَّغير والكبير من المسلمين، تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قبل صلاة العيد؛ إغناءً للفقراء، وسدًّا لحاجتهم أيام العيد، سواء كان القوت شعيرًا أو تمرًا أو حنطةً أو أقطًا أو زبيبًا أو غير ذلك.
ومثله الدقيق كما في الرواية الأخرى، والدقيق هو الطَّحين الذي قد طُحن، الحنطة المطحونة، وهذا أنفع للفقير، إذا كانت مطحونةً كفاه مؤونة الطحن، ويعني هو زيادة منفعة ومصلحة؛ لأنَّ الحبَّ يحتاج إلى طحنٍ، وإذا أخرج صاعًا من الدقيق فقد كفاه المؤونة؛ ولهذا رواه ابنُ عيينة، وأنه ثابتٌ في الرواية: صاعًا من طعام، أو صاعًا من دقيق، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيبٍ، إلى آخره.
ولا بأس بإخراجها قبل العيد بيومٍ أو يومين كما فعل الصحابةُ توسعةً للناس؛ لأنَّ وقت الصبح قبل خروج الناس إلى الصلاة هو وقت ضيق لا يتَّسع للناس؛ ولهذا جاز إخراجها قبل ذلك، وما يدلّ على هذا أنه ــ صلّى الله عليه وسلم ــ وكَّلَ أبا هريرة على زكاة الفطر، فجاءه اللصُّ الشيطاني الذي يسرق في ثلاث ليالٍ، وهذه الليالي الثلاث قبل العيد: ليلة ثمان وعشرين، وليلة تسع وعشرين، وليلة ثلاثين، أو ليلة تسعٍ وعشرين، وليلة ثلاثين، وليلة واحدٍ وثلاثين -ليلة العيد- فلم يزل يمسكه ويقول له: دعني، دعني؛ فإني ذو حاجةٍ، وكان أبو هريرة وكيلًا على زكاة الفطر …… حتى تُوزَّع، فلما كان في الثالثة قال: هذه الثالثة وأنت تقول: أنا ذو حاجةٍ، ولا أرجع، وترجع، قال: دعني أُعلِّمك كلمات ينفعك الله بها؛ إذا أويتَ إلى فراشك فقل:( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)”البقرة:255″.
وذكر آية الكرسي، وقال: إنّه لا يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح، فلما أصبح أخبر النبيَّ بذلك فقال: صدقك وهو كذوب، هل تعرف مَن تُكلِّم هذه الليالي؟ قال: لا، قال: إنه شيطان.
المقصود أنَّ هذه الزكاة تُخرج صاعًا كما في حديث ابن عباسٍ، تُخرج صاعًا من اللَّغو والرَّفث، وطعمةً للمساكين، فالواجب إخراجها من طيب المال، لا من رديء المال، كما قال الله سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ :)البقرة:267″.
والواجب أن تُوزَّع بين الفقراء في أيام العيد، ويكون إخراجها قبل يوم العيد، قبل صلاة العيد، سواء كان في الصباح أو في الليل أو قبله بيومٍ أو يومين؛ توسعةً على المخرجين وعلى الآخذين.