اقرأ في هذا المقال
ماذا قال الكريم عن فرعون في قصة موسى عليه السلام:
لقد قال القرآن الكريم عن فرعون في عدة أقوال في عدةِ مواضيع وفي عدة آيات ومنها ما يلي:
الأية الأولى: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” القصص:4. ونجد القرآن الكريم قد شرح هذه الحكاية في ثلاثِ آياتٍ، ففي سورة البقرة، يقول تعالى: الأولى:“وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ” البقرة:49.
والثانية في قوله تعالى: “وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ” الأعراف:141.
والثالثة: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ” إبراهيم:6. فحينما جاءت القصة من الله سبحانه وتعالى مباشرة قال: “يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ“.
أما الآيةُ الثانية: “يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ” فهنا تكلم عن ذبحٍ وقتل ونحن نلاحظ أنّ واو العطف جاءت على لسانِ موسى عليه السلام في قوله تعالى: “يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ” فلماذا لم تأتِ هذه الواو عندما جاء الكلام من الله مباشرةً، وجاءت عندما كان الكلام على لسان موسى عليه السلام؟ قالوا: لأن موسى يعدد على قومه نعمَ الله عليهم، وأنت حين تعدد فضائلكُ على ابنك مثلاً فتقول له: ألم أشتري لك بدلةً جديدة ألم أشتري لك حقيبةً وغير ذلك من هذه الأقوال، فأنت تعدد فضائلك عليه أو توضح له كثرتها، لكن حين يكون الكلام من الأعلى فلا تذكر النعم الصغيرة، فموسى حين تكلم، فقد أراد أن يضخم نعم الله على قومه، فذكر“يسومونكم سوء العذاب” وعطف عليها “يُذبحون” لكن حين يتكلم الحق سبحانه لا يمتن إلا بالشيء الأصيل من النعم.
أما الآيتين اللتين جاء فيهما كلام من الله تعالى مرةً قال:“ويذبحون أبناءكم” وفي الأخرى: “يُقَتِلنَ أبناءكُم” فما هو الفرق بينهما، قالوا لأن إزهاق الحياة له وسيلتان إما الذذبح وإما الخنق فذكر الوسيلتين، ولا بدّ أن هذه حدثت وأنه الأخرى حدثت أيضاً، إذن فهندما عطف “يُذبحونَ” على “يسُومونكم سوءَ العذاب” كان الكلام على لسان موسى، وموسى يُريد أن يعدد نعم الله علة قومه ويُبين أنها كثيرةً فقال: “يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ” لكن ربنا حين يمتنُ لا يمتنُ بالنعم الصغيرة، ولكن يمتنُ بالنعم الأصيلة الكبيرة، فتذبيحُ الأبناء واستحياء النساء، هو نفسه سوم العذاب.
وقال الله تعالى: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” القصص:4. العلو: هو الطغيان والتجبر والتكبر، وبلغ من ادعائه العلو أن ادعى الألوهية.
وقال تعالى: “وجعل أهلها شيعاً” أي طوائف يخدم بعضها بعضاً، ويسخر بعضها لبعض وجعل الأمة الواحدة طوائف يكون لها عند الفاعل ملحظ، وهذا الملحظ أنه لا يريد أن تستقر بينهم الأمور؛ لأنه إن استقرت بينهم الأمور، ربما تفرغوا إلى شيء ضده فيشغلهم بأنفسهم حتى يظل هو مطلوباً من كل واحد منهم، والله تعالى فضى ألا تدوم هذه الحال؛ لأنه لن يُفلح ظلوم، ولا يموت ظلوم في الكون حتى ينتقم الله منه ويرى المظلوم آثار هذا الظلم الذي وقع عليه. فربما رحمه، وحسبك من حادثٍ بامرئ أن ترى حاسدية بالأمس راحمين له اليوم.
ثم يقول الله تعالى: “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” القصص:5. فالمنّةُ عطاءً معوض بدون مجهود ممن يُعطاه كأنها هبةً من الله تعالى؛ لأن الحق كما قال الإمام علي رضي الله عنه، إنّ الله لا يُسلِم الحق، ولكن يتركه ليبلو غيرةً الناس عليه، فإذا لم يغاروا عليه، غار سبحانه وتعالى عليه، فالله تعالى يريد أنّ يمنّ على هؤلاء المستضعفين في الأرض، ليس برفع الظلم عنهم فقط، ولكن بجعلهمم أئمةً في الدين، وفي سياسة الأمور والملك، فقال تعالى: “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” الأعراف:137.
ثم يقول تعالى: “وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون” القصص:6. فكلمة“نمكن” نحن نعرف أن الأرض مكان والمكان هو الذي يحدث فيه الحدث؛ لأن كل حدث يحتاج إلى مكان يحدث فيه وزمان يقعُ فيه، فمعنى نمكن أي نجعل الأرض مكاناً لممكن في الأرض وقد كان فرعون ممكنّاً في الأرض، يتصرف فيها تسلطاً ويأخذ خيرها والله سبحانه أعطانا ذلك في لقطات متعددة من القرآن الكريم، فنبي لله يوسف عبّرالرؤيا للملك وفرح به وأخرجه من السجن ثم قال له الملك: “إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ” يوسف: 54. فمعنى مكين هنا أي لك مركز ثابت، ولا ينال أحد منك شيئاً.
ومعنى “وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا” أي أن هامان هو وزير فرعون، وأن كلمة “جنودهما” تدل على أنه كان لكل منهما جنود وحرس خاص، أو أن المعنى أن هامان يزاول سلطانه من باطن فرعون؛ لأن فرعون لا يزوال سلطانه إلا بواسطة وزرائه، فالجنود يأخذون أوامرهم من هامان، فالمسألة واحدة. أو أن المقصود أن يجعل لهامان سلطة فرعون، فالله تعالى أراد أن يُري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون من هؤلاء المستضعفين يريهم الشيء الذي كانوا يحذرونه ويخافونه.
ما الشيء الذي كان يخافه ويحذره فرعون:
إنّ الشيء الذي كان يخافهُ ويحذر منه فرعون هو النبوءة التي جاءتهم، إما بواسطة الرؤيا أو بواسطة الكهنة أنه ناراً تأتي من بيت المقدس، وتتسلط على القبط فقط وتترك بني إسرائيل، فلما عبروا له الرؤيا قالوا: إنه سيأتي أحد من جهة بيت المقدس ويقضي على فرعون ويستولي على الملك أو أنّ الكهنة قالوا لفرعون: إنّ طفلاً سيولدُ هذا العام يكون ذهاب ملكك على يديه. فقد قالو الكهنة إنّ ذهاب ملك فرعون سيكون على يد طفلٍ يُولد من بني إسرائيل في عام كذا، فمعنى ذلك أن هذا الطفل سينجو من القتل ويكبر، ثم يكون على يديه زوال مُلك فرعون، فلماذا أتعب نفسه وقتلَ الأبرياء، مع أن الرؤيا أخبرت أنه سيكون وسينجو من القتل، فهو سيقتلُ غير الذي سيكون ذهاب الملك على يديه، وطالما أفلت هذا الطفل من يده فهو إذن ليس إلّها؛ لأنه لم يعرف ذلك لا بألوهيةٍ ولا حتى بعقله وذكائه فهذا عجب؛ لأنّ الله أنقذ هؤلاء المستضعفين وأبان لفرعون وهامان وجنودهما من هؤلاء المستضعفين، ما كانوا يحذرونه ويخافونه من أن ذهاب ملكهم وهلاكهم سيكون على يديهم.