الطلاق بالخلع:
إنّ الأصل في الزواج هو ميثاقُ ترابط شرعي بين رجل وامرأة، ويكون على وجه الدوام، وغايتهُ الصون والعفاف وإنشاء أسرةً مستقلة ومستقرة، تكون بإشراف الزوجين معاً. وقد يحدث عند البعض أن يكره الرجل زوجته أو تكره المرأة زوجها. فشريعتنا الإسلامية الغرّاء توصينا بالصبر والتحملِ، وتنصح أفرادها بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية، فقال تعالى :” وعاشرهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”. النساء:19.
إنّ الحالة التي تكون فيها الكراهيّة من جهة الرجل وهو الذي بيده الطلاق وهو حقٌ من حقوقه، وله الصلاحية أن يستعمله في حدود شرع الله وتحت الشروط التي جاءت بها مدونة الأسرة.
أما في الحالة التي تكون الكراهية من جهة المرأة فقد أباح لها الإسلام أن تتخلّص من العلاقة الزوجية عن طريق الخُلع، وذلك بأن تعطي الزوج ما أخذت منه باسم الزوجيّة ليُنهي علاقته بها، وكلا الحالتين تجعل حل ميثاق الزوجية تحت الإشراف الفعلي والمراقبة الميدانية للمؤسسة القضائية بطريقةٍ ما تصون كرامة المرأة، وتحافظ على حقوقها المكتسبة سواء الشخصية منها أو المقررة لفائدة أبناءها .
الخُلع:
الخلع لغة: النزعُ والإزالة، يقال خلع الرجل ثوبه ونعله أيّ نزعه، وخلع الرجل زوجته إذا أزال زوجيتها، وخلعت المرأة زوجها واختلعت من زوجها إذا افتدت منه بمال، وبذلت له مالاً ليطلقها، فإذا فعل ذلك فهو الخلع؛ لأن كل من الزوجين لباساً للآخر استخلاصا من قوله تعالى:“هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ”البقرة:187.
أما في الاصطلاح الفقهي، فقد عرّفه الأحناف بأنه إزالةُ ملكٍ بلفظِ الخُلع أو بما معناه نظيرُ عوض تلتزم الزوجة به.
وعند المالكية: الخُلع هو عقد معاوضة على البضع تُملّك به الزوجة نفسها، ويملك به الزوج العوض أو صفة حكمية توقف حلية متعة الزوج، بسبب عوضٍ على التطليق. فيتبين هنا أنّ الخلع هو أن يطلّق الزوج زوجته بناءً على رغبتها في ذلك وبعد أن تدفع له عوض مقابل هذا الطلاق .
حكم طلاق الخلع:
حكم الخلع الجواز بدليل قوله تعالى:“فإن خفتم ألا يقيم حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به” البقرة: 229
أيّ أنّه لا حرج على الزوجة في أن تدفع من مالها للحصول على الطلاق، ولا حرج على الزوج في أن يأخذ ذلك ليطلّقها، وكذلك الخلع جائز من خلال حجيته في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لقوله تعالى:“ولا يحل لكم أنّ تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به” البقرة:229.
أما السنة النبوية، فقد روي أن زوجة ثابت ابن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:” يا رسول الله فقالت: إني ما أعتب عليه في خُلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت: نعم، فقال عليه السلام لزوجها أقبل الحديقة وطلقها تطليقه”.
شروط الخلع:
الواضح في هذه المادة أنّ الخُلع هو عقدٌ يتمُ بتراضي الزوجين، ومبدأه الرئيسي، هو خُلع الزوجة من زوجيتها مقابل مالٍ تدفعه الزوجة. ويشترط لصحة الخلع الشروط الآتية :
- أنّ تكون الزوجة مُحلاً لوقوعه حتى يتراضيا على الطلاق بالخلع أي أن تكون في زواج صحيح.
- أنّ يكون الزوج كاملُ الأهلية، فلا يجوز خُلع الصبيّ والمجنون والمعتوه أو ماشابه ذلك من فاقدي الأهلية، مثل السكران والمُكره، أما المحجور عليه كالسفيه فيجوز طلاقه إذا كان على غير مالٍ، فمن باب أولى صحة مخالفته إلا أن مُطلقته تسلم المال إلى وليه. وإذا فعل الزوج ذلك وتم له الأمر تعسفاً أو بعد إلحاق ضرر بالمرأة لإجبارها على ذلك يكون قد ملك المال مُلكاً خبيثاً لأنه خالف أمر الله به من تحقيق المودة والرحمة وحُسن المعاشرة، حيث يجب أن يكون الطلاق عن تراضي بين الزوجين، بحيث يتم عن بينة واختيار
وأنّ لا تُكره الزوجة، فإذا تبت استعمال الزوج لأساليب تدفع المرأة لمخالعته وقع الطلاق بائناً دون التزام المرأة بذلك الخلع، لقوله تعالى:“أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة”. النساء:19.
وهذا ما أخذ به المشرع المغربي من خلال المادة 117 من مدونة الأسرة الحالية، حيث أجاز للزوجة
بأنّ تسترجع ما خالعت به شريطة أن تثبت هذا الخُلع كان نتيجة إكراه وإلحاق الضرر بها. - أنّ تكون الزوجة المختلعة بالغةُ الأهليّة رشيدة غير محجور عليها، فإذا كانت دون سن الرشد القانوني
فلا يمكنها أن تلتزم بأداء الخُلع إلا بموافقة النائب الشرعي، وإذا خُولعت وقع الطلاق ولا تلتزم بأداء الخلع ولا بالبدل إلا بموافقة النائب الشرعي.