ماذا تعني الفتن العظام؟

اقرأ في هذا المقال


الفتن العظام:

لقد قال الشيخ العالم العلامة أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى: أن هناك فتنٌ وملاحم ستقعُ في آخر الزمان، ممّا أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام ، وذكر أشراط الساعة والأمور العِظام التي تكون قبل يوم القيامة، ممّا يتوجبُ الإيمان بها. الصادق المصدوق قد أخبر بها، وهو لا ينطقُ عن الهوى. هذا إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب الماضية، وبسطناهُ في بدء الخلق، وقصص الأنبياء، وأيام الناس إلى زماننا، وأتَبعنا ذلك بذكر سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأيامه، وذكر شمائله ودلائلِ نبوته، وذكرنا فيها ما أخبر به من الغيوب التي وقعت بعده صلى الله عليه وسلم طبق إخباره، كما شُوهد ذلك عيانا قبل زماننا هذا.
أولاً: عن حذيفةُ بن اليمانِ رضي الله عنه قال: “وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بكُلِّ فِتْنَةٍ هي كَائِنَةٌ، فِيما بَيْنِي وبيْنَ السَّاعَةِ، وَما بي إلَّا أَنْ يَكونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَسَرَّ إلَيَّ في ذلكَ شيئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غيرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قالَ: وَهو يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فيه عَنِ الفِتَنِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَهو يَعُدُّ الفِتَنَ: منهنَّ ثَلَاثٌ لا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شيئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ منها صِغَارٌ وَمنها كِبَارٌ. قال حذيفةُ فذهب أولئكَ الرّهط كلهم غيري”. أخرجه مسلم في الفتن.

شرح الحديث:

إن هذا الحديث فيه إشارةً واضحةً إلى سعة إطلاع حذيفة في الفتن، ويتضح من الأثر أنّ النبي عليه الصلاة وسلم كان يسهب الحديث بخصوص الفتن، لدرجة أنه لم يترك ذكر الفتن الصغار التي شبهها حذيفة برياح الصيف، وذلك إشارة إلى سرعة تقلبها وزوالها، سواء كانت هذه الفتن كبيرةً أو صغيرة إلا أنها محدودة الزمن وإن كانت شديدة الأثر.
إنّ الحديث السابق فيه تصريح من حذيفة بأنّ النبي عليه الصلاة والسلام، كان يُعد الفتن الواقعة في الأمةِ ويُصنفها، وهذا إشارة واضحةً إلى أنّ الرعيل الأول كان عندهم وضوح رؤية بخصوص الفتن التي تعصف في الأمة إلى قيام الساعة.
ذكر الحديث فتن ثلاث عِظام هي أخطر ما تُبتلى به الأمة، وقد وصفهن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنهنّ لا يكدن يذرن شيئاً، وذلك إشارة إلى عموم الهلاك بالأنفس والأموال فيهن، وهؤلاء الفتن الثلاث العِظام يختلفن عن الفتن الكبار المشبهات برياحِ الصيف، فقد تكون الفتنةُ كبيرة أو شديدة الأثر، إلا أنّ الهلاك بها لا يعم، وكذلك زمانها لا يطول، أما الفتن العِظام، فظاهر الحال يُشير إلى عمومهن في حق الأمة مع طول بقائِهن، وعمق، النتائج والآثار المترتبة عليهنّ، وهذا واضح في الفتنة التي تموج موج البحر، والتي بدأت بمقتل عثمان، فهذه الفتنة تتميز بطول أمدها، وعمق أثرها، ويكفي القول أن أثرها يمتد في الأمة إلى يومنا هذا.
ثانياً: عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “يكونُ في هذه الأمة أربعُ فتنٍ في آخرها الفناء”. أخرجه أبو داود.
شرح الحديث:
إنّ هذا الحديث يُشير إلى الفتن العِظام، وجاء بيان أنهنّ أربعُ فتن، والحديث السابق أشار إلى ثلاث فتن، ولا تُعارض بينهنّ، وفي ظني أن الحديث الذي أشار إلى ثلاث فتن لم يذكر الفتنة التي تموجُ موج البحر، وكان حذيفة رضي الله عنه قد اعتبرها فتنةً منفردة، حيثُ كان الحديث عنها يتعلق بالرعيل الأول، وله حديث يختصُ بذكرها، لذا اقتصر في حديثه على الفتن العِظام اللاتي يأتين بعدها في حق الأمةِ، واللواتِي يتميزنّ بأن الهلاك بهن عام.
أما في حديث عبد الله فسياقه يُشير إلى أنه يُخبر عن عدد الفتن العِظام الكائنة في الأمة، لذا أمكن اعتبار الرابعة هي التي تموج موج البحر، أو أنّ الرابعة هي الدّجال، ويُعزز القول الأول عدة آثار منها: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:” في الإسلام أربع فتنٍ تسلمهم الرابعة إلى الدّجال”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “في الإسلامِ أربعُ فتن تأتي الفتنة الأولى فيستحيلُ فيها الدماء، والثانية يستحلّ فيها الدماء والأموال والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة عمياء مظلمةً تمور مور البحر تنتشرُ حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلتهُ”. وفي أثر عن أبي هريرة يُشير إلى مدة بقاء الفتنة الرابعة مما يُشير إلى أنها غير فتن الدّجال، حيث يقول: تدوم الفتنةُ الرابعة إثنا عشر عاماً تتجلى حيثُ تتجلى وقد أحسِرت الفرات عن جبل من ذهب فيقتلُ عليه من كل تسعةٍ سبعة”. وهذا صريح في كونها غير فتنة الدّجال.
ويُعزز القول الأخير بأن الرابعة هي الدّجال أثر عن عمران بن حصين فيه: “تكونُ أربعُ فتن، الأولى يستحل فيها الدم والمال والفرج، والرابعة الدّجال”.


شارك المقالة: