القتل العمد:
فالقتل العمد: هو أن يقصد المكلف قتل إنسان معصوم الدم بما يغلب على الظن أنه يقتل به. إن القتل العمد وجب فيه القصاص في الشريعة الإسلامية، ولكي يجب القصاص يتعين توافر بعض الشروط ومن أهمها:
1. أن يكون القاتل قد تعمد القتل عامداً متعمداً لا شك فيه ولا شبهةً.
2. وأن يكون مختاراً، ومباشراً للقتل.
3. وأن لا يكون المقتول جزء القاتل.
4. وأن يكون معصوم الدم مطلقاً.
5. وأن يكون دمه مكافئاً لدمِ القاتل، ويجب فوق هذا كله لكي يقضي بالقصاص أن يطلبه ولي دم القتيل، فإن عفا عن القصاص، سواء كان عفوه على الدية أو بلا مقابل، فإنه يسقط ولا يقضي به.
فإذا لم تتوافر أي شرط من شروط القصاص، فإنه يسقط وتجب الدّية، إلا أن يكون السقوط بعفو ولي الدم دون دليل، فلا تجب الدية، وفيما يلي سنذكر بعض حالات تخلف هذه الشروط، وسنستعينُ بعدة أمثلة عن كل واحدة منها.
تخلف العمر أو اختلاله في القتل:
إن ما يعود للقاتل من شروط القصاص، هو أن يكون قد قصد القتل تعمداً محضاً ليس فيه شبهةً، ومن الجدير أن القتل إذا لم يكن عمداً فلا عليه قصاص. ومن الحالات التي ثار فيها الجدل في الشبهة في تعمد القتل هو أن يشترك في القتل من يجب عليه القصاص إذا انفرد به، والمثال على ذلك أن يرتكب الحادث اثنان، أحدهما عامدٌ والآخر مخطيء، أو يتركبهُ اثنان أحدهما مكلف، والثاني غير مكلف، كأن يكون صبياً أو مجنوناً.
عدم الاختيار والتسبب:
ومن شروط القاتل العامد حتى يجب عليه القصاص، عند البعض أن يكون قد باشر القتل، أما إذا كان قد تسبب فيه فلا قصاص عليه عند البعض. والتسبب يعني، هو أن يتسبب الإنسان في القتل بما يقتل غالباً. والذي يدخل في هذا المجال هو الآمر بالقتل والمأمور الذي باشره. ففي الآمر والمباشر فرق الفقهاء بين حالتين، حالة الأمر والمباشر دون أن يكون هناك سلطانٌ ولا إكراه، وحالة وجود الإكراه على القتل.
والواضح أن أبا حنيفة يُعتبر القتل بالسبب إذا قصد المتسبب القتل، غير موجب للقصاص، في حين أن فريقاً كبيراً من الفقهاء يُعتبر التسبب على هذا الوجه قتلاً عمداً موجباً للقصاص.
المقتول جزء القاتل:
إذا كان المقتول جزء القاتل، كأن يكون فروعه، ومثاله أن يقتل الأب ومن في حكمه الإبن، أو تُقتل الأم ومن في حكمها ولدها، فلا يقتص من الجاني عند أبي حنيفة والشافعي والثوري وذلك لحديث: ” لا يقاد الوالد بولده” ولأن الوالد لا يقتل ولده عادةً، لوفور شفقته، فكان ذلك شبهة تدرأ القصاص؛ لأن الأب هو سبب إحياء ولده، فلا يُعدم بسببه، والأم والجد والجدة من جهة الأب أو الأم، يأخذون حكم الأب في عدم إمكان القصاص منهم بسبب الإبن، ولا يقتص من القاتل إذا كان في ورثة المجني عليه أحد من فروع القاتل؛ لأن القصاص يتعذر إيجابه لفرع القاتل، والقصاصُ لا يتجزأ، فتجب الدية لجميع ورثة المقتول.
المقتول في غير معصوم الدم مطلقاً:
إذا لم يكن المجني عليه معصوم الدم مطلقاً فلا يقتص له من قاتله، ومن المثال على ذلك هو أن يقتل مسلم أو ذمي كافراً حربياً أو مرتداً، أو يقتل عادل باغياً، فهؤلاء جميعاً ليس بِمعصوميّ الدم حتى يجب في قتلهم القصاص، أو يقتل البغيُ العادل؛ لأن العادل غير معصوم الدم أيضاً في نظر الباغي، وذلك بتأويل فاسد، وهو عند وجود المنعةَ يلحق بالتأويل الصحيح في حق وجوب الضمان.
عدم تكافؤ الدمين:
ولكي يقتص من الجاني أن يكون القتيل مكافئاً لدمِ القاتل؛ وقد حصر الفقهاء أعراض الاختلاف في أربعة مسائل: الإسلام والكفر، الحرية والعبودية، الذكورية والأنثوية، الواحد والكثير. فإذا اتحد القتيل مع القاتل في هذه الأمور الأربعة وجب القصاص بالاتفاق، أما إذا حصل الاختلاف في أي أحدٍ منها، فقد اختلف الفقهاء في حكم القتل.
عفو ولي الدم:
وهو أن يطلب القصاص من حق ولي الدم، وله أن يعفو عنه إلى الدية أو بدونها، فالإجماع على أن العفو عن القصاص يسقطه وذلك لقول الله تعالى: “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ“البقرة:178. لكن إذا سقط القصاص بالعفو، سواء كان العفو إلى الدية، أو كان العفو شاملاً لها أيضاً، فهل يُترك الجاني الذي قام بجريمة القتل بدون عقوبة