ما هي مشروعية الاعتكاف وأحكامه؟

اقرأ في هذا المقال


الاعتكاف:

الاعتكافُ لغة: الإقبال على الشيءِ والاحتباس فيه؛ مِن: عَكَفَ على الشيءِ: أي إذا أقبَل عليه مواظبًا لا يصرِف عنه وجهه، ومنه قيلَ لِمن لازَمَ المسجِد، وأقامَ على العبادَة فيه: عاكفٌ ومعتَكِفٌ.
الاعتكافُ اصطلاحًا: هو الإقامة في المسجِد بِنِيَة التقرب إلى الله عز وجل، ليلًا كان أو نهارًا. 

شرع الله عز وجل الاعتكاف، وهي عبادة يلازم فيها المرء المسجد بطاعة الله، ويحبس نفسه على أنواع الحسنات، وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليه في العشر الأواخر حتى لحق بربه عز وجل، ولما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً، وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد ليمكث فيه، ويخلو فيه عن الناس، ويقبل فيه على الله، ولا يخرج منه إلا للحاجة، ولذلك قال الفقهاء: لا يعود مريضاً حال اعتكافه، ولا يشهد جنازة.

مقاصد الاعتكاف:

ومن مقاصد الاعتكاف تحري ليلة القدر لأنه إذا اعتكف العشر الأواخر أصابها قطعاً، وهذا التحري والاغتنام لأعز ما يطلبه المرء طاعة الله عز وجل، والخلوة بالله، والانقطاع عن الناس؛ لأن كثرة المخالطة لهذه الأنفاس تقسي، وتلهي، فإذا خلا بالله رقَّ قلبُه، وغسل نفسه، وتخفّف من متاع الدنيا، وترك اللذات من أجل طاعة الله عز وجل، ومثل المُعتكف؛ كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي ربه، ثم قال: ربِّ لا أبرح حتى تغفر لي، ربِّ لا أبرح حتى ترحمني.

يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفا *** حمل الذنوب على الذنوب الموبقات وأسرفا.

وقد استجار بذيل عفوك من عقابك ملحفاً *** يا رب فاعف وعافه فلأنت أولى من عفا.

يتعود العبد في الاعتكاف على العبادة الطويلة، والمكث في المسجد، والتقلّل من الدنيا، والبعد عن الترف، والإقلاع عن العادات الضارة، ويحفظ صيامه، فكم تخرق الصيام في ما مضى، فإذا اعتكف صار خرق الصيام أقل.

وفي الاعتكاف هجر للفرش الوثيرة؛ بالإقبال على الله.

وكذلك فيه حماية للقلب من فضول الكلام، والطعام، والشراب، والمخالطة للبشر، وذهب العلماء كالإمام أحمد رحمه الله إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس، ويحرص على الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وذكره، ودعائه، ولكنه مع ذلك يعلم، وينصح، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فإنه قد تحدث أشياء حتى في المساجد، ولكن العتب على من ينشغل بالقيل والقال، وربما يكون دخول بعض الحواسيب، والأجهزة، وما في الجوالات من الأشياء يلهي عن الاعتكاف، فالاعتكاف طمأنينة نفسية وقيام لله سبحانه وتعالى.

وليس له حد لأقله عند أكثر العلماء، فكل ما يمكن أن يطلق عليه اعتكاف معتبر؛ ولذلك لو مكث صلاتين أو ثلاثاً في المسجد، فهو اعتكاف عند أكثر العلماء، ولو مكث مثلاً من صلاة العشاء إلى أن ينتهي من قيام الليل ثم انصرف للسَّحور فهو اعتكاف، وإن مكث ليلة من المغرب إلى الفجر فقد ورد عن عمر أنه قال: نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (أوفِ بنذرك)، وإن اعتكف يوماً كاملاً النهار مع الليل فهو أفضل، وأطيب، فإذا اعتكف يومين، وثلاثاً، والعشر فهذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم باعتكاف العشر.

وبعض الناس لهم أعمال فيقول: أنا لا أستطيع أن أعتكف في النهار فهل يمكن أن أعتكف من المغرب إلى الفجر؟

الجواب: نعم يمكن له ذلك، وربما يقول: عندي عمل في الليل هل أستطيع أن أعتكف من الظهر إلى المغرب؟

والخروج للعمل ممَّا يتنافى مع مقصود الاعتكاف، فلا يصلح أن يجمع بينهما، وإنما يفصل هذا عن هذا.

لا يجوز تضييع ما كلف به من العقود الواجبة، في العبادات المستحبة؛ لأن ذلك واجب، وهذا مستحب، وأخذ الإجازة للتفرغ للعبادة عمل عظيم، وهذا المعتكف يشتغل بعبادات متنوعة، ويطهر المسجد بالعاكفين، وتهيّأ بيوت الله سبحانه وتعالى من أجلهم.

وللمرأة أن تعتكف بشرط أمن الفتنة، وليس أن تخرج في طريق موحش، أو ليلة مظلمة في مكان غير مأمون، أو مطروق. وينبغي للمسلم أن يصون أهله، وأن يراقب الحجاب الذي تخرج به نساؤه.

ما هي سنن وشروط الإعتكاف؟

سنة الاعتكاف: الاعتكاف مسنونٌ للرجال والنساء في مساجد الصلوات الخمس والجوامع؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يعتَكِف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله، ثم اعتَكَف أزواجه من بعده، فتعتَكِف المرأة في المسجد إذا لم يُخشَ عليها.
وعلى المعتَكِف أن يُرجِح بين المصالح والمفاسد؛ فمثلاً من كان عنده أبَوان يحتاجانه، أو كان له أولادٌ يحتاجون إلى رِعاية ومتابعة على الصلاة وغيرها، فهذا يَترُك الاعتكاف من أجلهما، فالاعتكاف أفضل من تَركِه غالبًا في حقِّ مَن ليس لدَيه أولاد كبار، فليستغل المرء هذه الفترة لأنَّه سيمرُّ عليه وقتٌ قد لا يتمكن من الاعتكاف فيه، وكذلك كبار السن ممَّن استقلَّ أولادهم عنهم.

إن للاعتكاف سنن وشروط ينبغي أن يعرفها المسلم، فمن شروطه:

أن يكون متطهراً من الحدث الأكبر، فإن طرأ ما يوجب الغسل خرج فاغتسل.

أن يكون الاعتكاف في المسجد، فلا يصلح أن يكون في المصليات؛ لأن الله قال: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ سورة البقرة)“187”.
والمسجد هو الأرض الموقوفة إلى قيام الساعة،لا يغيّر، ولا يبدل، بخلاف المصليات التي تنتقل فتكون تارة هنا، ثم تلغى، ثم تنقل، فليست موقوفة، فالوقف هو ميزة المسجد الأساسية، والفرق الأساس عن المصلى.

وقت الاعتكاف:

وقت الاعتكاف: الاعتكاف مشروعٌ في السنة كلها؛ قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أنَّ رمضان كلَّه موضعٌ للاعتكاف، وأنَّ الدهر كلَّه موضعٌ للاعتكاف، إلاَّ الأيام التي لا يجوز صيامها.

  • إذا أراد المسلم أن يعتكف يوماً دخل المعتكف بعد صلاة الفجر، وخرج بعد غروب الشمس، وإذا أراد أن يعتكف ليلة دخل المعتكف قبل غروب الشمس، وخرج بعد طلوع الشمس من الغد.
    وإذا أراد أن يعتكف يوماً وليلة دخل معتكفه قبل غروب الشمس، وخرج بعد غروب الشمس من الغد.
  • إذا أراد المسلم اعتكاف العشر الأواخر من رمضان دخل مُعتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان.
    عَن عَائِشة رَضي الله عَنهَا قالت:( كَانَ النبِي صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِف فِي العَشرِ الأواخر مِن رمضَان، فَكنت أضرِب لَه خبَاءً، فَيصلِّي الصبحَ ثم يَدخله)” متفق عليه”.

شارك المقالة: