ما الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق؟

اقرأ في هذا المقال


خشوع الإيمان وخشوع النفاق:

إنّ آثار الجوارح إذا ظهرت على الجوارح، ولم يكن في القلب شيءٍ منه، فهذا الخشوع على الجوارح، ولم يكن في القلب شيءٌ منه، فهذا خشوعُ النفاق؛ ولهذا قال حذيفة رضي الله عنهُ: “إياكم وخشوع النفاق، فقيل لهُ: وما هو خشوع النفاق، قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلبُ ليس بخاشع”.
لقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقال بعض: حسب أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، ورأى بعضهم رجلاً خاشع المنكبين والبدن، فقال: يا فلان، الخشوع ها هنا وقد أشار إلى صدره لا ها هنا، وقد أشار إلى منكبيهِ، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً طأطأ رقبتهُ في الصلاة، فقال: يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، لأن الخشوع ليس في الرقاب، ولكن الخشوع في القلوب.
لقد رأت عائشة رضي الله عنها شباباً يمشون ويتماوتونَ في مشيتهم، فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ قالوا نُسّاك “أي عُبّاد”، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرعَ، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسكُ حقاً”.
قال الفضيلُ: كانَ يُكرهُ أن يُريَ الرجلُ من الخشوعِ أكثر مما في قلبه. وقال حذيفة رضي الله عنهُ، أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مُصلٍ لا خير فيه، ويُوشك أن تدخل مسجد الجماعة، فلا ترى فيهم خاشعاً. وقال سهل: إنّ من خشعَ قلبهُ لا يقربهُ الشيطان.

رأي ابن القيم في خشوع الإيمان وخشوع النفاق:


وقال ابن القيم: إنّ الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق، أنّ خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم، والإجلالِ، والوقار، والمهابة، والحياء، فينكسرُ القلب لله كسرةِ ملتئمة من الوجل، والخجلِ، والحب، والحياء، وشهود نعم الله وجناياتهِ هو، فيخشعُ القلب لا محالةً، فيتبعهُ خشوع الجوارح، وأما خشوع النفاق، فيبدو على الجوارح تصنعاً وتكلفاً، والقلب غير خاشع، وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعاً والقلبُ غير خاشع، فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته، وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حُشي به، وخمدت الجوارح، وتوقّر القلب، واطمأن إلى الله وذكرهُ بالسكينةِ التي نزلت عليه من ربه، فصار مُخبتاً له، والمُخبتُ قد خشع وأطمأن، مثل البقعةِ المطمئنةِ من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقرُ فيها، وعلامتهُ أن يسجد بين يدي ربه إجلالاً، وذُلاً، وانكساراً بين يديهِ سجدةً لا يرفعُ رأسهُ عنها حتى يلقاهُ، فهذا خشوع الإيمانِ.
وأما التماوت، وخشوع النفاق فهو حالُ عبدٍ تكلف إسكان الجوارح تَصنّعاً، ومراعاة، ونفسهُ في الباطن شابة طرية ذات شهوات، وإرادات، فهو يتخشع في الظاهر، وحية الوادي، وأسد الغابة رابضٌ بين جنبيهِ ينتظرُ الفريسةِ.

الخشوع لله في الصلاة علم نافع وعمل صالح:

الخشوع هو علم نافع، وهو عمل صالح من أعمال القلوب ويتبعها عمل الجوارح، للأحاديث الأتية:
1- عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء رضي الله قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخصَ ببصرهِ إلى السّماء، ثم قال: “هذا أوانُ يُختلسُ العِلم من النّاس، حتى لا يقدروا منهُ على شيء” فقال زيادُ بنُ لبيد الأنصاريّ رضي الله عنهُ كيف يُختلسُ منّا، وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا فقال: “ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراه والإنجيل عند اليهود والنصاري، فماذا تغني عنهم؟“.
قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: “ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علمٍ يرفع من الناس: الخشوع؛ يُوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً” أخرجه الترمذي.
2- عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أول ما يُرفع من الناس في الخُشوع”. حديث صحيح.
3- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه: “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها“. صحيح مسلم.
وتفسير عبارة قلب لا يخشع: أي علم لا ينفع ، وصوت لا يسمع ، ودعاء لا يرفع هي ما يلي:
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: فالعلم النافع هو ما باشر القلوب، فأوجب لها السكينه، والخشية، والإخبات لله، والتواضع والانكسار، واذا لم يباشر القلب ذلك من العلم، وإنما كان على اللسان، فهو حجة الله تعالى على ابن آدم يقوم على صاحبه، وغيره كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب يرسخ فيه صاحبه.

وقال الحسن رحمه الله: العلمُ عِلمان: علم باللسان وعلم بالقلب، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة الله تعالى ابن آدم. وقد قال الله تعالى:” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ” وقول الله تعالى: “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” الزمر:9.
ووصف الله العلماء من أهل الكتاب قبلنا بالخشوع، فقال سبحانه: “قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًاوَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا” الإسراء:107-109. وقوله سبحانه وتعالى في وصف هؤلاء الذين أوتوا العلم، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً: أي مدحٌ لمن أوجب له سماع كتاب الخشوع لله تعالى في قلبه.


شارك المقالة: