اقرأ في هذا المقال
حكم الشريعة الإسلامية في التبرع بالأعضاء:
لقد ذهب الجمهور الأعظم من علماء المسلمين إلى جواز نقل الأعضاء لعدّة أسباب ومن أهمها ما يلي:
التبرع يُعتبر صدقةً جارية: ومثلُ ذلك شابٌ لم يتجاوز السنّهُ الثانية والعشرين يرقدُ على سرير المرض بعد فشل قلبهِ بشكلٍ نهائي وما زالَ ينتظرُ موت المُنقذ ليبعث له الحياة من جديد، فيقول الشاب: لا أتمنى لأحدٍ الموت من أجل أن أعيش وأفضل أن أبقى على وضعي دون ضرر لغيري، ويسأل هذا الشاب ما دام هذا الإنسان قدّر له الله تعالى الموت، فلماذا لا يكون قلبهُ صدقةً جارية يُنقذ بها إنسان آخر يظل يدعو له ويترحم عليهِ طوال عمره، يقول إنّ سعادتي لا توصف عندما بشرني الأطباء بتوفير قلب لشخصٍ متوفى دماغياً.
إنّ شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الذي وأعلن تبرعهُ بقرنية عينه بعد مماته، قال أنّه يجوز نقل الأعضاء الآدمية من إنسانٍ توفي حديثاً إلى آخر حيّ، ما دام ذلك يتم بطريقة سليمةٍ وصحيحة وعن طريق التبرع، معتبراً أنّ هذا التبرع هو نوعٌ من الإيثارِ المحمودِ والصدقةِ الجارية.
موت جذع المخ: يرى الطبيب المصري حمدي السيد أنّ موت جذع المخ هو موتٌ كامل لا يعود بعدهُ الإنسان إلى الحياة وعدم التبرع بالأعضاءِ يُشكلُ إجحافاً بحق المرضى، ولقد وضع الأطباء كعلاماتٍ إكلينيةٍ يُمكن بها إعلان موت الدماغ منها: وهو عدم وجود أي فعلٍ إنعكاسي؛ وذلك تأكيداً نتائج الكشف الإكليني برسم المخ الذي يظهرُ باستمرار عدم وجود أيّةُ وظائف للمخ خلالُ أربع وعشرين ساعة.
حقيقة الولاية من ناحية بيع أو نقل الأعضاء: لقد أشار الشيخ جاد الحق علي جاد الحق إلى أنّ التبرع بجزء من الأعضاء تصحُ للولاية المُعطاءةِ للإنسان من عند الله تعالى على أعضاء الجسم، إذ أنّه من المعلوم أنّ المُتولي يمكنُ أن يتصرف فيما جعلَ ولياً عليه وإنّ لم يكن مالكاً بشرط أن يُصرح طبيبُ مُسلم ثقة بأنّ نقل العضو من شخصٍ إلى آخر لا يترتبُ عليهِ ضرر بليغٌ بالشخص المُتبرع وإنّما يترتب عليه إنقاذُ حياةُ الشخص المُتبرع له أو إنقاذهُ من مرضٍ خطير.
نصوص من القرآن الكريم والسنة على التبرع بالأعضاء:
لقد ذهبَ المؤيدون إلى كثيرٍ من الأدلة النصيّة تُجيزُ نقل الأعضاء، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً” المائدة:32. وقوله تعالى: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” البقرة:186. وقوله تعلى: “يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا”النساء:28. وقوله تعالى أيضاً: “مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ” المائدة:6.
وعن أسامة بن شريك قال: جاء أعرابيٌ فقال: “يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم فإنّ الله لم ينزل داء إلّا وأنزل له شفاء علمه من علمهِ وجهلهِ من جهلة” رواه أحمد. فهذه الآيات والأحاديث الكريمة حكمٌ عام يشملُ إنقاذ الإنسان من التهلكة.
تأصيل القواعد الفقهية:
هناك أدلةٌ تناولها العلماء من القواعد الفقهيةِ ومن أهمها، هي أن الضرر يجب أنّ يُزال وهو من مقاصد الشريعة الإسلامية، والضرورات تُبيحُ المحظورات، وإذا ضاق الأمرُ اتسع الأمور بمقاصدها، ومن مقاصد الإسلام الكبرى هي المحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والعرض والنسل ومعلومٌ أنّ الحياة لا تستقيم بدونِ وجود هذه الضروريات، ومن هنا شرع الإسلام الحدود والقصاص لكلّ من ينتهك حرمة هذه الضروريات.
تكريم الله للإنسان:
لقد خلق الله تعالى الإنسان وكرمهُ، لذلك حَرص الإسلام على حياتهِ وعدمِ الإضرار به، لذلك أمرت الشريعة الإسلامية الإنسان باتخاذ جميع الوسائل التي تحافظ على ذاته ونفسه وصحته، وتمنعُ عنه الأذى والضرر، فأمرتهُ بالبُعد عن المُحرمات والمُفسدات والمُهلكات، وأوجبت عليه عند المرض اتخاذاً لسبيل العلاج والشفاء، ومن الوسائل الطبية للمحافظة على النفس نقل بعض الأعضاء من إنسانٍ لآخر سواء الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موتهُ إلى الحي.
وتفسير قوله عليه الصلاة والسلام” كسرُ عظم الميت ككسرةٍ حيا”. فهذا التكريم لا يؤثرُ فيه ما يؤخذُ منه بعد موته من أجزاءً تقوم عليها حياة إنسانٍ آخر أو ردّ بصرهِ بعدهُ؛ وذلك لأنّ مصلحة الحي تتقدمُ على مصلحة الميت.
ملكية الإنسان لأعضائه:
إنّ الرد على مقولة أنّ جسم الإنسان ملكٌ لله ولا يحقُ للإنسان أن يتصرفُ فيما لا يملك فهذا كلام ليس عليه دليل مسلم به، فإنّ الذي لا يملكهُ الإنسان هو حياته وروحه فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس في التهلكة، أما الإنسان من حيثُ أجزاؤه المادية فهو مالكها وله أن يتصرف فيها بما لا يضره ضرراً لا يحتملُ، إذ أنّه قيل: لا ضرر ولا ضرار وأيضاً إن كل شيء ملكٌ لله، فقال تعالى: “للهِ ما في السماواتِ وما في الأرض” البقرة:248. وقال أيضاً: “ولله ملكُ السماواتِ والأرض” المائدة:17.