حكم تقديم الصلاة أو تأخير الصلاة عن موعدها:
الصلاة: فالصلاةُ أمرها عظيم وشأنها كبير في الدين الإسلامي، وهي أهمُ فريضةٌ بعد الشهادتين، وهي ثاني أركان الإسلام، وقد أكثر الله من ذكرها في كتاب الله العزيز؛ وذلك تعظيماً لشأنها وحثاً للأمة على القيام بها والعناية بها والمحافظة عليها، ومن هذا قوله تعالى: “حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ” البقرة:238. وقال تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” النور:56. وأثنى الله تعالى على كلّ من حافظ عليها وخشع فيها، وجعل ذلك من أوصاف المؤمنين الذين وُعدوا بالجنة، فقال تعالى عنهم: “قَد أفلحَ المُؤمِنُونَ – الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ” المؤمنون:1-2.
إنّ من العبادات التي فُرضت على المسلمين هي الصلاة، والصلاةُ لها وقتٌ محدد، فلا يصحُ للمسلم أنّ يأتي بها قبل موعدها وأن لا يتأخر عنها، ولكن جاءت عدّةُ أدلةٍ تحثُ على جواز تقديم الصلاة عن وقتها للعذر شرعي، فيجوز أن تُقدَّم الصلاةُ عن وقتها أو تُؤخر، فتُجمع مع التي تليها، مثل جمع الظهرُ مع العصر والمغربُ مع العِشاء، وكذلك إذا دخلَ وقتها سواء بعُذر نوم ونسيان، فقد توَجَب قضاؤها.
من الواجب على كلّ مسلم أنّ يُصلي جميع فروضه في وقتها المحدد حتى وإن كان مشغولاً. ولا يحقُ لهُ أن يؤخرها عن وقتها، فيُصلي الظهر في وقته سواء كان في العمل أو مع إخوانه أو حتى إن كان مع أصدقاء طيبين يصلي معهم، وهكذا العصر يصليه في وقته وليس له الحق أن يؤخرها. فإذا كان من معك يمنعونك من الصلاة فتُصليها بعد انتهاء العمل إذا كان الوقت باقياً، إن كان الوقت باقياً ولم تصفر الشمس فيصحُ أن تؤخر، أمّا إذا قاربت الشمسُ على الاصفرار فلا يجوز تأخيرها ويجب تأديتها في وقتها. ويتطلب من المسلمين جميعاً، بأن يُحافظوا على تعاليم دينهم، وأن يجتهدوا في تعلم أحكام الشرع وتطبيقها، كما أمرهم الله تعالى.
ويجب على كلّ مسلم أن يحرص على حفاظهِ بأحكام الشريعة الإسلامية وبالحفاظ على تعاليم الدين، ولكنّ الإسلامُ يُنبه البعض إلى أنّ ما يفعلهُ المسلم من تقديمٍ للصلاة الظهر قبل وقتها أو ما شابه ذلك ، فهذا لا يجوز باتفاق الُعلماء، ولا يجوز فعلُ صلاةٍ من الصلوات، ولا أن نتعمد بتأخير أي صلاةٍ أيضاً قبل وقتها المحدد الذي حدده الله تعالى: “ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” البقرة:103. إلا أن أجاز الجمع بين الصلاتين، والصلوات التي يجمع بينها هي الظهر والعصر في وقت إحداهما تقديماً أو تأخيراً، والمغرب والعشاء في إحداهما تقديماً أو تأخيراً، وقد بيّنا الأعذار المباحة للجمع بين الصلاتين.
أمّا في غير هذه الأحوال، فيتوجب على المسلم الحفاظ على الصلوات في أوقاتها، ولا يجوز إخراجُ صلاة عن وقتها بحالِ، فقال ابن القيم رحمه الله: إنّ إجماع المسلمين على أنّ ترك الصلاة الواحدة المفروضة حتى يخرج وقتها إثمٌ عظيم أعظمُ من الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وغير ذلك من تلك الأعمال.
فعلى المُسلم أن يتوب إلى الله على ما أقدم من التقصير، ويتوجب عليه أن يقضي ما صلّاهُ من صلاة الظهر قبل وقتها، لأنّ ذمة المسلم لم تبرأ منها، ودينُ الله أحقُ بأنّ يُقضى، وعلى المسلم في كل حين وفي كلّ وقت أن يحرص على أن يؤدي جميع صلواته في زمنها المحدد.
آراء بعض العلماء بالصلاة قبل دخول الوقت:
لقد روي عن البعض من السلف مثل ابن عباس والحسن البصري والشعبي وغيرهم، ما يُفيد صحة صلاةِ من صلّى قبل دخول الوقت، فالظاهرُ أنّ ذلك مُقيدٌ عندهم بمن لم يفعل ذلك متعمداً، وممّن نسب لهم القول بذلك من الأئمة ومنهم ابن المنذر وابن قُدامة.
لقد قال ابنُ المنذر في إشرافه على مذاهب العلماء: بأنّهم لم يتفقوا في موضوع الصلاة قبل حلول وقتها، فقد روي عن ابن عمر، وأبي موسى الأشعري أنّهما أعادا الفجر؛ وذلك لأنّهما كانا قد صلياها قبل الوقت، وبذلك قال الزهري ومالك والأوزاعي والشافعي، وأحمد وغيرهم من أصحاب الرأي. وقد روي عن ابن أنّه قال: في رجلٍ صلّى الظهر في السفر قبل أن تزول الشمس، قال: يُجزيه. وقال الحسن: مضت صلاته، وبنحو ذلك قال الشعبي. أمّا عن مالك فقال: من صلّى العِشاء في السفر قبل غيوبة الشفق جاهلاً بذلك أو ساهياً فعليه أن يُعيد ما كان في وقت العِشاء، فإذا ذهب الوقت قبل أن يعلم أو يذكر، فلا إعادة عليه. ولا شك أنّ هؤلاء يقولون بمقتضى النصوص التي فيها تحديد أوقات الصلوات أولاً وآخراً، وقولهم بذلك إذا صحّ عنهم وليس في جواز صلاتها خارج هذه الأوقات ابتداءً، وإنّما هو فيمن صلّى قبل هذه الأوقاتِ ظناً منه أنّه صلّى فيها، فهل تلزمه الإعادة أم لا.
قال ابن المُنذر في السنن والإجماع والاختلاف مُبيناً حجتهم فيما ذهبوا إليه، فعن الشعبي بأنّه قال: إذا صلّى الرّجل بغير الوقت وهو يرى أنّهُ الوقت، فقد أجزأَ عنه. وحكى ابن وهب عن مالك أنهُ سأل عمن صلّى العِشاء في السفر قبل غيبوبةِ الشفق جاهلاً أو ساهياً، قال: يُعيد ما كان في وقتٍ، فإذا ذهب الوقت قبل أنّ يعلم أو يتذكر، فلا إعادة عليه فمن حُجة بعضٍ من رأى أنّهُ لا إعادة عليه أنّ المُصلي قبل الوقت، وهو يحسبُ أنّه الوقت، فصلّى في الظاهر عند نفسه على ما أمرَ به وقد اختلف في وجوب الإعادة، وغير جائز أن يُوجب عليه الإعادة إلّا بحُجةٍ.
ولكن ما نُقلَ عن ابن عثيمين من الإجماع في المسألة وهو أن الصلاة لا تجوز قبل دخول الوقتِ بإجماع المسلمين، فإنّ صلّى قبل الوقتِ، وكان متعمداً في صلاتهِ فإن صلاتهُ باطلة، ولا يسلم من الإثم، وإنّ كان غير متعمد لظنهِ إنّ الوقت قد دخل، فليس بآثمٍ، وصلاته نفل، ولكن توجب عليه إعادة الصلاة؛ لأن من شروط الصلاة هو دخول وقتها.
وممّن ذكر الإجماع في هذه المسألة قبل ابن عثيمين من فقهاء الأمة ابنُ عبد البّر قال في الاستذكار: وفي هذا الحديث دليلٌ على أنّ وقت الصلاة من فرائضها، وأنها لا تُجزئُ قبل وقتها، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، إلّا شيءٌ رُوي عن أبي موسى الأشعري وعن بعضِ التابعين، وقد عقدوا بالإجماع على خلافهِ، فلم نرَ لِذكرهِ أي وجهاً؛ لأنّه لا يصحُ عندي عنهم، وأنّه قد صح عن أبي موسى خِلافهُ بما يُوافق الجماعة، فصار اتفاقاً صحيحاً.