دعاء موسى عليه السلام على فرعون وملئه:
قال الله تعالى: “وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ” يونس:88. ما الزينة؟ إنّ الزينة هي الأمر الزائد عن ضروريات الحياة ومقوماتها الأولى، والإنسانُ محتاج لكي يعيش أن يأكل أي نوع من الطعام ولو لقمةُ خبزٍ جافة، أما كوني أتناول من أصناف الطعام كالسمك والدجاج والديك الرومي والحمام، إلى غير ذلك من أطايب الطعام، فهذا اسمه ترف الحياة.
فالزينة: هي ما خرج عن ضروريات الحياة، ولكن لماذا قال الحق تعالى: “زينةٌ وأموالاً” مع أنّ أصل الزينة يأتي من الأموال؟ نقول: إن هذا صحيح، ولكن الزينة فرعٌ من الأموال، وهناك الرصيد الأصيل للأموال وهو الذهب، وهناك معادنٌ وأحجارٌ نفيسة كثيرة، وأحياناً تكون أثمن من الذهب والفضة، ولكن يضلُ الذهب هو مقياس الغنى في العالم كله، لماذا؛ لأن الأحجار الكريمة لو كسرت كالماس مثلاً تقلُ قيمتها لدرجةً كبيرة ولكن الذهب إذا كُسر يُجمع ويُصهر وتُعاد صياغتهُ مرةً أخرى، وتبقى قيمتة كما هي، ولذلك فإنّ الرصيد المالي لكلِ دولةٍ يقدر بقيمة الذهب الذي يملكه؛ والفراعنة كانوا يصيطرون على الجبال من مصر إلى الحبشة، وكانوا يرسلون لإستخراج الذهب من هذه الجبال.
وما زالت حفريات قدماء المصريين لمناجم الذهب موجودةً حتى الآن في سلسلة جبال البحر الأحمر، ولقد برع المصريون لمناجم وصياغة الحُلى، والذهب أحياناً يكون موجوداً في أماكن كثيرة، ولكن استخراجه يتكلف مبالغ كبيرة، ولذلك لا يستخرج؛ لأن تكاليف استخراجه تزيد قيمته، ويعتبر استخراجه غير اقتصدادي.
إذن فالله تعالى أعطى لهم الأموال والزينة، ولذلك ملئوا معابدهم بالنقوش المرسومة، بألوانٍ لم تفسد رغم هذه القرون الطويلة، وكلّ هذا زينةٌ وترف، ومعناها أن حركة الإنسان المترف أكثر من ضروريات حياتهِ، ولذلك يُنفق ماله في الكماليات والترف والزينة، وقول الحق تبارك وتعالى: “ربّنا ليضلوا عن سبيلك” يونس:88.
أي معناها أنهم لم يكتفوا بالكفر لأنفسهم فيكونوا ضآلين، ولكنهم يضلون أيضاً ويدفعون الناس إلى الكفر، فكان عليهم وزرين وهما: الأول لأنهم أضلو وكفروا، والثاني ووزرٌ فيمن ضل غيرهم ودفعوهم إلى عبادتهم من دون الله، ولكن هل الحق سبحانه وتعالى أعطى فرعون المال والزينة ليُضلوا عن سبيله. هل هذه علّة العطاء؟ ولكن هناك لامٌ إسمها لام العاقبة.
ما هو دعاء موسى على فرعون؟
قال تعالى: “رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ“ يونس:88. وفي قوله “ربنا اطمس على أموالهم”ايّ امحها أو امسخها، فقد قال بعض العلماء: إنّ أموال فرعون مُسخت بعد هذا الدعاء؛ فما كان عنده من ذهب فقد أصبح حجارة والذي كان عنده من مال اصبح زجاجاً، وقوله “وأشددعلى قلوبهم”،أي الأموال التي كانت عند فرعون كانت وسيلته للاضلال ونشر الكفر لذا قال موسى : يا رب أسالك أمرين:
الأمر الأول: أن تطمس على أموالهم فتجعلها بلا قيمة.
الأمر الثاني: أن تشدد على قلوبهم، أي: اطبع عليها وأشدد الرباط على القلوب ؛حتى لا يؤمنوا لأنهم افتروا باتباعهم فرعون ورفضهم الدعوة وصدهم عنها؛ لذلك فهم لا يستحقون رحمتك ولا يستحقون هدايتك.
ولكن كيف يدعو موسى عليه السلام على فرعون وقومه بهذا على فرعون وقومه بهذا الدعاء ولا يطلب من الله أن يهديهم، كما فعل رسولنا عليه الصلاة والسلام ، حين قال: “اللهم إهد قومي فانهم لا يعلمون”؟ نقول: أنه لا بد أن الله سبحانه وتعالى قد اطلعة على أن فرعون وقومه لن يهتدوا، وأنه لا فائده منهم،مثلما أطلع نوحاً عليه السلام في قوله تعالى: “أُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ“هود: 36.
إن هؤلاء الذين يعلم الله أنهم لن يؤمنوا بعلمه الشامل لكل هذا الوجود، لا تكون هناك فائدة من هدايتهم، فقوله تعالى : “فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم “ تلفتنا الأيه إلى أن هناك فرقا بين ايمان الاختيار وإيمان القصر، فالكافر والمشرك ساعة الإحتضار يكشف عنهما حجاب الغيب؛ ليريكم كل ما كان خافياً عنهما، وعندما يريان العذاب يعلنان الإيمان، ولكنه لا يتقبل منهما؛ مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: “فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ:غافر 85 . ولذلك فإنه ساعة يأتي العذاب ويكون قد انتهى الاختيار البشرى، ولا تقبل توبه ولا إيمان فرعون عندما أدركه الغرق قال كما قال تعالى: “وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ“يونس: 90. وعندما توجه موسى وهارون بالدعاء إلى الله فقال وتعالى :”قد أجبتُ دعوتك” يونس:89.
يُلاحظ أن الذي دعا هو موسى عليه السلام، وأن الله عزّ وجل قال: “قد أجبتُ دعوتكما”، مما يدلُنا على أن هارون دعا مع موسى، مع أن موسى عليه السلام هو الذي كان أصل الرسالة، وهارون جاء ليَشُدّ عضده، وإذا نظرنا إلى طبيعة الإثنين نجد أن هذا رسول وهذا رسول، والمهمةُ واحدة.