اقرأ في هذا المقال
رأي الشافعية في ضابط إفساد الصوم الموجب للكفارة:
إنَّ ما ذكرهُ الشافعية من ضابطٍ لإفساد الصوم الموجب للكفارة فقالوا: بأنه تجب الكفارة بإفساد يوم من رمضان بجماعِ إثمٍ به بسبب الصوم من غير شبهة قولهم بوجوب الكفارة بإفساد صوم يوم من رمضان يعني أنه لو أفسد صوم يوم آخر من غير رمضان، فلا كفارة؛ لأن النص الموجب للكفارة قد ورد في رمضان، وهو ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة أنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:” هلكتُ يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي، قال هل تجد ما تعتق به رقبة؟ قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال: لا، قال: فهل تجد ما تُطعم به ستينَ مسكيناً؟ قال: لا ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، قال تصدق بهذا فقال: أعلى أفقر مني، فما بين لا بيتها أهلُ بيتٍ أحوج إليه منا، قال: فضحك النبي عليه الصلاة والسلام حتى بدت أنيابهُ ثم قال: إذهَب فأطعمه أهلك”. صحيح البخاري.
وقولهم”بجماعٍ”: ويستوي فيه المباشرة في المكان المعتاد وغيره، فإنَّ وطئ بهيمة تجب فيه الكفارة، وكذلك اللواطة لانطباقِ اسم الوطء عليها والاستمناء باليد لا يُسمّى وطئاً فلا تجب فيه الكفارة، وإن وجب فيه القضاء. ووجوب الكفارة بالجماع في رمضان لورود النص السابق دون غيره.
وقولهم”آثمٌ به”: أي أنه استوجب هذا الفعل الإثم، فإنَّ كان الفعل لا يستوجب الإثم فلا كفارة مثل المسافر والمريض اللذين جَامعا بنية الترخص؛ لأنهما لا يأثمانِ لوجود النية التي هي القصد مع إباحة الفطر بسبب السفرٍ أو المرض؛ ولأن الإفطار مباح لهما فيصير شبهةً في درء الكفارة.
وقولهم “بسبب الصوم”: يعني أن لو جامع أثناء صومهِ ذاكراً له مقيماً، فإنَّ الكفارة تجب عليه؛ لأن الإثم بسبب انتهاك حرمة الصوم، أما إذا نسي أنه صام فزنا عليه الإثمُ بالزنا وليست عليه كفارة؛ لأن الإثم نشأ بسبب الزنا لا بسبب الصوم، وكذلك لو زنى أثناء سفره في رمضان فعليه إثم الزنا دون أن تجب عليه كفارة لجوازِ الفطر له رخصة، وإثمهُ حصل بسبب الزنا لا بسبب الصوم.
وقولهم”من غير شبهةٍ”: أيّ أن الفطر بالوقاعِ في نهار رمضان الموجب للكفارة يشترط أن يكون المفطر لا شبهة له في الوقاع فإنَّ كان له شبهة فقد ورد عن الشافعية أنها تُسقط الكفارة، وذكروا في عدة أمثلة منها:
لو جامع وظنّ بقاء الليل باجتهاده، فبان أنه نهار أو ظن دخول الليل، فجامع وبعدَ فراغهِ تبين أن الليل لم يدخل فلا كفارة عليه لانتفاء الإثم، وكذلك لو جامع عامداً بعد الأكل ناسياً وظنّ إنه إفطاره بالأكل لاعتقاده أنه غير صائم فلا كفارة لوجود الشبهة، وإنَّ كان الأصح بطلان صومه بهذا الجماع قياساً على من جامع على ظنِ بقاء الليل، فبأن خلافه ومقابل الأصح لا يُبطل صومه بجماعهِ قياساً على ما لو سلم من ركعتين في صلاة رباعية ناسياً وتكلم عامداً، فإنَّ صلاته لا تبطل فكذلك صومه.
وأجيب عن من سلم ناسياً بأن الصلاة لا تبطل لنص الشارع في الصلاة بعدم البطلان في قصة”ذي اليدين” واغتفرَ ذلك في الصلاة مع أنها أضيقُ من الصوم لتكررها وكثرة حصول ذلك فيها بخلاف الصوم. أما إذا علم أنه لم يفطر بالأكل ناسياً فجامع فسد صومه وتجب عليه الكفارة، وسبب ذلك توافر الضابط المتقدم فيه فإنَّه عندئذٍ يكون قد جامع في نهار رمضان منتهكاً حرمة الشهر بسبب توافر الإثم حال الصيام ولا شبهة فيه.
رأي الحنفية في إفساد الصوم الموجب للكفارة:
إنَّ ما جاء عن الحنفية أنهم جعلوا ضابط الجماع الموجب للكفارة هي ما يلي:
الإفطار الكامل بوجود الجماع صورة ومعنى متعمداً من غير عذرٍ مبيح ولا مرخص ولا شبهة الإباحة. والمقصود بصورة الجماع: هي إيلاج الفرج في القبل؛ لأن كمال قضاء شهوة الفرج لا يحصل إلا به. وبذكر هذا الضابط يخرج ما لو جامع المرأة في دبرها؛ فإنَّه لا يوجب الكفارة أخذ من قوله” إيلاج الفرج في القبل” وهذا في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وعلتها؛ لأن هذا الفعل لا يُعد كا ملاً ولأنه لا يوجب الحدّ ولا شبهة في جانب المفعول به إذ ليس فيه قضاء الشهوة.
واشتراطُهم في الضابط: هي كمال الجماع صورةً ومعنى يخرج ما لو وطئ بهيمةً أو ميتةً أو كان بلواطهِ، فلا كفارة عليه أنزلَ أم لم يُنزل، فلا كفارة عليه وإنَّ أنزلَ عليه القضاء فقط؛ لأن فات صورة الكف فصار كالجماع فيما دون الفرج، وبسبب سقوط الكفارة؛ لأن الكفارة تجب بسبب الجناية الكاملة وتكاملها بقضاء الشهوة في محل مشتىً مشروع ولم يوجد ألا ترى أن الطباع السليمة تنفر عنها فإنَّ وقع به قضاء الشهوة فسببَ ذلك.