مقدار عقوبة التعزير:
يتكون مقدار التعزير في هذا المقال من فرعين ألا وهما:
– في أقل التعزير.
– في أكثر التعزير.
وقد تحدث ابن القيم عن مقدار التعزير عن هؤلاء الفرعين المذكورين وسنتحدث عن كل واحدة منها.
أقل التعزير:
لقد تبين أنه ليس لأقل التعزير حداً مقدراً ولم يحكَ في ذلك خلافاً ومن هذا المنطلق نقول: ” ليس لأقل التعزير حدٌّ مقدر”. وقال لو أن التعزير قُدّر لكان حدّاً. هو رأيٌ القدوري من الحنفية، وقد ظهر فيه خلاف وهو: أنه قد وُجد خلاف في ذلك للقدوري من الحنفية، إذ أنه قُدر أدنى التعزير بثلاثِ جلدات؛ لأن ما دونها لا يقع به الزجر.
فالذي يظهر هنا هو عدم التقدير لأقل التعزير كما حكاه الحافظ ابن القيم من غير خلاف؛ لأن التقدير لا يكون إلا بنص من الشارع يجب المصير إليه، ولا نص على التعزير لأقله، فيبقى على التفويض بحسب ما يراه الحاكم زاجراً ورادعاً.
أكثر التعزير:
لقد حكى ابن القيم رحمه الله تعالى الخلاف في أكثر التعزير على أربعة أقوال، ودلل منها على قولين، واختلف اختياره رحمه الله وكان بيان ذلك على ما يلي:
- أنه لا حدّ لأكثر التعزير بل هو مفوض إلى رأي الحاكم حسب المصلحة. وفي هذا يقول أحد الأقوال، أنه بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة فيجتهد فيه ولي الأمر. ولم يذكر ابن القيم القائلين لهذا: وهو المعتمد من مذهب مالك، والوجه المقدم من مذهب الشافعي، واختاره أبو يوسف من الحنفية، وشيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة.
ودليل ابن القيم على هذا القول بما وسعه من ذكر جملة وافرة من أقضية النبي عليه الصلاة والسلام في التعزير، ثم من بعد ذلك أقضية الصحابة رضوان الله عليهم حيثُ تَنوعوا في التعزير حسب المصلحة، فقال:” إن الشارع ينوع فيها أي في التعزيرات بحسب المصلحة”. فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة الرابعة.
وعزمَ النبي عليه الصلاة والسلام على التعزير بتحريق البيوت على المتخلف عن حضور الجماعة لو لا ما منعه من تعدي العقوبة إلى غير من يستحقها من النساء والذرية. وعزر النبي عليه الصلاة والسلام بحرمان النصيب المستحق من السلب. وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطرِ ماله. وعزر النبي عليه الصلاة والسلام بالعقوبات المالية في عدة مواضع. وعزر النبي عليه الصلاة والسلام من مثل بعبده، بإخراجه عنه وعتقه عليه.
وعزر النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً بتضعيف الغرامة على السارق لما لا قطع فيه. وكاتمُ الضالة أيضاً. وعزر النبي عليه الصلاة والسلام بالهجر، ومنع التقرب من النساء. كما تنوع أصحاب الرسول من بعده في التعزيرات، والمثال على ذلك لما كان عمر رضي الله عنه يحلق الرأس وينفي ويضرب ويحرق حوانيت الخمارين، والقرية التي يُباع فيها الخمر وحرق قصر سعد بالكوفة لما احتجب فيه عن الرعية. - أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد المقدر فيها. والقول الثاني وهو أحسنها، هو أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة: حدّ الزنا، وعلى السرقة من غير حرز، حد القطع، ولا على الشتم بدون القذف.
- أنه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود، وبيان القول الثالث هو أنه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود، أما أربعين، أو ثمانين، فهذا قولٌ كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة. والتفصيل في هذا القول، بأنه يختلف القائلون به لا ختلاف أدنى الحدود بين الأحرار والعبيد، فهل يأتي الاعتبار بأدنى الحدود في الأحرار أم العبيد، ويأتي تفصيل أقوالهم في ما يلي:
– إن عند أبي حنيفة ومحمد، أن أكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطاً؛ لأن أدنى الحدود هو حد الرقيق، وحدّه أربعون جلدة في القذف، وأربعون في الخمر على النصف من الحر فيهما.
– وعند أبي يوسف من الحنفية: أن أكثره خمسة وسبعون سوطاً؛ لأن أقل الحد في الأحرار ثمانون، والحرية هي الأصل فصار الاعتبار به.
– وعند زفر من الحنفية وهو رواية عن أبي يوسف أيضاً وحكى مذهباً لمالك: هو إن أكثر التعزير تسعة وسبعون سوطاً؛ لأن أقل الحدّ في الأحرار ثمانون، والحرية هي الأصل.
– وعند بعض الشافعية يجب النقص في أكثره عن عشرين جلدةً؛ لأن حدّ الحر في الخمر أربعون، والعبد على النصف، وما فيه التعزير فإنه لا يبلغ به الحدّ، والعشرون حدّ فلا يبلغ بالتعزير عشرين جلدةً.
– أما عند بعض الشافعية: أنه يجب النقص في أكثره عن عشرين في حق عبد وعن أربعين جلدةً في حق الحرّ. - أما القول الرابع: هو أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره.