ما هي إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة؟

اقرأ في هذا المقال


إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة:

إن من خلال بحث ابن القيم رحمه الله للحكمِ بالقرائن الظاهرة وشواهد الأحوال في الدماء والأموال والحدود، فقد ضرب لها المثل بحد الشارب بالرائحة التي تنبعث من فمه أو بالخمر التي يتقيؤها، وأن هذا من الأحكام التي اتفق عليها الصحابة رضي الله عنهم.
وفي بيان ذلك يقول ابن القيم: وحكم عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، ولا يُعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، بوجوب الحدّ بالرائحة للخمر أو قيئه خمراً اعتماداً على القرينة الظاهرة. وكانوا أهل المدينة أيضاً في زمن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم كانوا يحدّون بالرائحة والقيء. فنجد ابن القيم رحمه الله تعالى استدل لهذه المسألة وهي الحد بالرائحة بأحكام الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم عمر ابن مسعود رضي الله عنهما مع عدم وجود المخالف لهما في ذلك.

الخلاف على حد الخمر وأدلته:

إن معرفة قوة انتخاب هذا الرأي أو ضعفه من ابن القيم يقتضي ذكر الخلاف في هذه المسألة ومناقشته وتحرير الأدلة روايةً ودرايةً، ومناقشة وجوه الاستدلال منها فإلى بيان الخلاف مع ذكر الأدلة ومناقشتها ومن هذه الأقوال ما يلي:
القول الأول: أنه لا يجب الحد بوجود الرائحة من الفم أو القيء، وهذا كان قول الجمهور ومنهم، الثوري وأبو حنيفة، الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين كما حكاه ابن قدامة وقال: إن هذا أكثر قول أهل العلم. وجهة نظر هذا القول: هي أن يقال إن مجرد وجود الرائحة مثلاً لا يلزم منه الشرب، فقد تتفق الروائح، أو ظنها ماءً فعندما أحس بها في فيهِ مجها، أو شرب منها لغصة بقدر ما يُسيغها فتوجدُ رائحة أو تَقيئها.
وقد كشف عن وجهةِ مذهب الجمهور ابن قدامة فقال: لأن الرائحة تحتمل أنه تمضمض بها أو حسبها ماءً، فلما صارت في فيه مجها، أو ظنها لا تسكر أو كان مكرهاً أو أكل نبقاً بالغاً أو شرب شراب التفاح؛ فإنه يكون منه كرائحة الخمر، وإذا احتمل ذلك لم يجب الحدّ الذي يدرءُ بالشبهة.
القول الثاني: وجوب إقامة الحدّ بالرائحة أو القيء، وهذا كان مذهب مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز، أما الرواية الأخرى كانت عن الإمام أحمد. ودليل هذا القول: حكم عمر رضي الله عنه، وذلك في ما رواه السائب بن يزيد” أن عمر رضي الله كان يضرب بالريح”رواه ابن شيبة. وجه الدلالة: أما وجه الدلالة من هذا الأثر هي ظاهرة من أن عمر رضي الله عنه أقام الحدّ بالقرينة الظاهرة وهي: وجود رائحة الخمر.

القول الثالث:
إن الشخص الذي يجب عليه الحد بالرائحة من يكون مشهوراً بشرب الخمر مدمناً عليها. وما حكاه ابن المنذر عن بعض السلف هو أن من يجب عليه الحدّ بمجرد الرائحة من يكون مشهوراً بإدمان شرب الخمر.
القول الرابع: أما في هذا القول أنه لا يحدّ بمجرد الرائحة بل لا بد أن ينضم معها قرينة أخرى مثل أن يوجد جماعة شهوراً بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد أحدهم رائحة الخمر. وهذا هو اختيار الشيخ ابن قدامة كما حكاه الحافظ عنه في فتح الباري، وقال “لما حكى الموفق في المغني الخلاف في وجوب الحد بالرائحة المجردة اختار أن لا يحدّ بالرائحة وحدها بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران، أو يتقيأها، ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد من أحدكم رائحة الخمر”.

الشبهة الواردة في إقامة حد الخمر:

إذا كانت قاعدة الشرع درء الحدّ بالشبهة، فما هي الشبهة الواردة هنا وبيانها على ما يلي:

  • شبهة الاشتباه: وهي شبهة واردة من جهتين، وهي من جهة اشتباه الروائح، فإن من الأشربة والمآكل المباحة ما يوافق رائحتهُ رائحة الخمر، مثل شراب التفاح، والنبق البالغ. ومن جهة المشروب نفسه، فإنه قد يشتبه على الشارب شراب تفاح مباح بشراب خمر حرام فيشربه ويظنه المباح.
  • شبهة النسيان: كأن يكون لديه عصير أو نبيذ قد تخمر فنسى تخمره فشربه، وقد أشار إلى هذه النووي في في شرح مسلم. وهذه شبهة واردة؛ وذلك لأن اتخاذ العصير والنبيذ دون ثلاث ليال مباح أصلاً والتخمير وارد. والنسيان عذر مُسقط للجزاء كما في قوله تعالى: “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ “البقرة:286. فتكون هنا شبهة محتملة لأنها مطلق شبهة.

شارك المقالة: