تعريف الرجعة:
اختلفت تعريفات الفقهاء للرجعة على النحو التالي:
- الرجعة عند الحنفية: عُرّفت بأنها هي استدامة ملك النكاح القائم ومنعه من الزوال، وفسخ السبب المنعقد لزوال الملك.
- أما الرجعة عند المالكية: هي عودة الزوجة المطلّقة للعصمة من غير تجديد العقد.
- الرجعة عند الشافعية: عُرّفت بأنها ردّ المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائنٍ في العدّة على وجه مخصوص.
- الرجعة عند الحنابلة: وهي إعادة مطلّقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد.
تكييف الرجعة:
يقصد بالتكييف لغةً هو بيان الكيفية. أمّا التكييف بالاصطلاح: هو إعطاء الوصف الشرعي أو القانوني أمرٍ ما. وسنقسّم هذا الفرع إلى أمرين: التكييف الشرعي للرجعة، التكييف القانوني للرجعة.
التكييف الشرعي للرجعة:
فالرجعة عند عند الحنفية: هي استدامةً لعقد النكاح السابق ومنعه من الزوال، وفسخ السبب المُنعقد لزوال الملك، أمّا عند جمهور الفقهاء فهي استدامةً للعقد من وجه، وإنشاءٍ له من وجه آخر. وهذا الاختلاف قائم على أساس إنّ الحل والملك عندهم قائم من زائل من وجه، وهو عند الحنفية قائم من كل وجه.
التكييف القانون للرجعة:
الرجعة: هي تصريف قانوني مصدره الإرادة المنفردة للزوج المطلّق، وهي حقُ شخصٍ معنوي”غيرمادي” لا يُقبل الإسقاط؛ لأنّ فيه تغيّراً للأوضاع الشرعية، ولا يقبل التوريث، وهو سبب مشروع مسقط للطلاق ومنشئ لحلّ المعاشرة الزوجية.
مشروعية الرجعة وحكمها الشرعي التكليفي:
نقسم هذا العنوان إلى قسمين:
مشروعية الرجعة:
المشروع هو اسمٌ مفعول من الفعل شرع، أي اشتقّت الشرعة بالكسر، وهو الدين وهو مأخوذ من الشريعة: وهي مورد الناس للاستقاء، وسميت بهذا الإسم لوضوحها وظهورها، وشرع الله لنا كذا أي بمعنى أوضحه أو أظهره. والمقصود بمشروعية الرجعة: هي الدعوى، كون الرجعة هي من أحكام الشرعية الإسلامية، ومثل هذه الدعوى تحتاج إلى دليلٌ لإثباتها، مثل القرآن، والسنة، والإجماع، والمعقول.
– دليلهم من القرآن: قال تعالى:” وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ “البقرة:228.
– السنة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّه طلّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلّلى الله عليه وسلم: أمره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.
– الإجماع: لقد أجمع أهل العلم، أنّ الحرّ إذا طلّق الحرّة دون الثلاث أو العبد إذا طلق دون الإثنتين أنّ لهما الرجعة في العدّة. وهذا ما ذكره ابن المنذر.
– المعقول: إنّ الحاجة تمس إلى الرجعة، لأنّ الإنسان قد يُطلّق امرأته، ثم يندم على ذلك على ما أشار الله تعالى عزوجل بقوله:” ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا” الطلاق:1. فيحتاج الإنسان إلى التدارك، فلو لم يُثبت الرجعة لا يمكنه التدارك، فعسى أن لا توافقه المرأة في تجديد النكاح، ولما يمكنه الصبر على البعد عنهه، فيقع في الزنا.
الحكم التكليفي للرجعة:
الحكم الشرعي عن التكليفي: هو مدلول خطاب الله المتعلّق بتصرّفات الإنسان والوقائع على وجه الإقتضاء ” وجوباً أو ندباً، إذا كان على سبيل الطلب، أو حُرمةً واستكراهاً إذا كان على سبيل الترك” أو التخيير وهو الاستباحة.
تُعرض الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة للرجعة باعتبارها تصرفاً من تصرفات الإنسان، كما يلي:
الوجوب: وتكون الرجعة واجبة عند الأحناف، والمالكية، إذا طلّق الرجل امرأته طلقةً واحدة في حالة حيض، فهذا الطلاق يُسمّى بدعي يستوجب التصحيح، والتصحيح لا يتم إلا بالرجعة. أمّا الشافعية، والحنابلة، فإنها تسن في هذه الحالة، وتكون واجبة عند الشافعية أيضاً، على من طلّق إحدى زوجتيه قبل أن يوفي لها ليلتها.
الاستحباب: وتكون الرجعة مندوبة في حالة ندم الزوجين بعد وقوع الطلاق، ولا سيما إذا كان هناك أولاد، تقتضي المصلحة نشأتهم في ظل الأبوين، من أجل تدبير أمورهم، فتكون الرجعة هنا مندوبة تحصيلاً للمصلحة التي ندب إليها الشارع الحكيم، فقد حض في كثير من الآيات على الصلح والتوثيق بين الزوجين، فقال تعالى:” أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ النساء:128.
الإباحة: إنّ الأصل في الرجعة بأنها مباحة، وهي حقٌ للزوج، بدليل قوله تعالى:” وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ“البقرة:228.
وتكون الرجعة مكروهة حيثما يكون الطلاق مستحباً، ومثالها إذا ظن الزوج إنه لن يقيم حدود الله من حيث الإحسان إلى زوجته، فتكون الرجعة في حقه مكروهة في هذه الحالة.
التحريم: وتكون الرجعة محرّمة إذا قصد الزوج الإضرار بالمرأة فيراجعها ليلحق بها الأذى والضرر، وقد نهى القرآن عن ذلك بقول تعالى:” وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ” البقرة:231.