قواعد لتنزيل نصوص أشراط الساعة على الواقع:
لقد ظهرت في أزمانٍ من الفتور سابقةً ولاحقةً محاولات متعددة في تنزيل أحاديث أشراط الساعة على الواقع، والجزم بذلك كما تقدم. ولذلك سنتحدثُ عن القواعد في تنزيل نصوص أشراط الساعة على الواقع وهي كما يلي:
- القاعدة الأولى: لسنا مطالبين بتنزيل أحاديث أشراط الساعة على الواقع: وذلك لما كان الإنسانُ بفطرته حاضراً بجميعِ حواسه ليومهِ وساعته، تشدهُ الأحداث بما لا تشدّ غيره من اللاحقين له، لا تحضر حواسهم ومداركهم جميعاً لأحداثِ ماضيهم، يُعظمُ الحاضرأحداثِ زمانه ويُهولها، وصغائرَ المصائبِ الحاضرة أعظمُ من كبائرها الغابرة كما قيل: يا زماناً بكيتُ منهُ فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه.
لذا فالشاهدُ يُنزل أشراط الساعة ومقدماتها على يومه وليله وما يُشاهده وإن مضى في التاريخِ ما هو أعظمُ منها لقلةِ أثرها عليه، أو للجهل بها أصلاً. ويسوغُ الاجتهاد لأهل العلمِ والمعرفةِ والورع في أشراط الساعة وتنزيلها كما اجتهد عمر رضي الله عنه بأن ابن صياد هو الدّجال مع شهود النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يُنكر عليه. ولكن إنّ لزم من هذا الإجتهادِ انشقاق الصف المسلم، أو كان لهذا الاجتهاد تبعات شرعية ولوازم مردّها الدليل؛ مُنعَ الإنسان من ذلك وزُجرَ إلا ببينةٍ، مثل لزوم القتال والفتنةِ أو استباحة العرض أو شق الصف، فهذا لا يجوز إلا بدليلٍ مستقلٍّ من الوحي.
إن بعض الناظرين في أحاديث أشراط الساعة مُولع باستقصاء التاريخ الماضي والحاضر، ويتكلّفُ بتنزيلِ الأحاديث التي أخبرت بأحداث وأمورٍ مستقبليةٍ وأشراط الساعة على وقائعٍ وأحداث. فيقرأ مثلاً” يوشكُ أن لا يُجبى للعراقِ “قفيز”، ولا درهم؛ فيقول هذه العلامة من علامات الساعة وقعت عام 1410 للهجرة- 1990 للميلاد، يوم حوصِر العراق اقتصادياً من قبل العجم.”
القفيز: بمعنى نوع من المكاييل كان يستعمله أهل العراق كما نستعمل نحن الكيلو غرام. والمُدى: هي جمع مدية وهي السكين.
الدليل: عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال:” يوشكُ أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قفيزٌ ولا درهم. قلنا من أين ذاك؟ قال: من قِبلِ العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشكُ أهلُ الشامِ أن يُجبى إليهم ديناراً ولا مُدى. قُلنا من أين ذاك؟ قال: من قِبلِ الروم” رواه مسلم. وهذا كان محتملاً جداً، إلّا أن هذه الطريقة في تنزيل الأحاديث على وقائع الحياة فيها شيٌ من القصور والمزالق، خاصةً مع الجزم بها. - القاعدة الثانية: أنه ليس شرطاً أن يكون وقوع أشراط الساعة قريباً من قيامها، فقد تتقدم عليها بزمنٍ طويل: إن أشراط الساعة هي علاماتٌ تدلُ على تقارب وقوعها، سواء كانت هذه العلامة قريبةً من ساعة وقوعها، أو بعيدةً عنها. فمثلاً قال النبي عليه الصلاة والسلام: “بعثتُ أن والساعةِ كهاتين، ويقرنُ بين إصبعيهِ السبابة والوسطى”. رواه البخاري ومسلم. وهذا يدلُ أن بعثتهُ عليه الصلاة والسلام وموتهِ، هي علامات لقربِ قيامِ الساعةِ، وإن كانت غيرها من العلامات التي وقعت بعدها أقربُ زمناً إلى الساعةِ منها.
ويمكن أن نقسم أشراط الساعة من حيث وقت وقوعها إلى أقسام:
1– منها ما وقع واضحاً تماماً كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في بعثته وموته، وظهور مُدعي النبوة.
2– ومنها ما وقعت أوائلهُ، ولا يزال يزداد، كما في تقارب الأسواق، وانتشار الكتابة وكثرة الهرج”القتل”.
3– ومنها ما لم يقع بعد، وسوفَ يقع، مثل خروج الدابةِ والدّجال. - القاعدة الثالثة: خطورة التنزيل الخاطئ لأحاديثِ أشراط الساعة على الواقع وهي مثل:
– أنه قولٌ بغير علم ورجمٍ بالغيب: لأنك إذا جزمت بأن العلامة الواردة في الحديث وقعت في كذا وكذا، افتقر هذا إلى بيّنةٍ أو قرينةٍ من الشرع أو النظر، ولا بيّنةٍ فيه، ولا قرينةٍ، ولا يليقُ بمؤمنٍ صادق أمرٌ بالتحري أن يُطلق لسانه في أمور الشريعة وأخبارها بما لا علم لهُ به.
– القيام بعملٍ غير مشروع أو ترك العمل المشروع: فبعضُ الناسِ قرأ كُتباً تكلّمت عن خروج المهدي، وجزمَ مؤلفوها بأنّ المهدي هو فلان؛ فصار بعضُ القُراءِ ينتظرون المهدي، ويرتبون أمورهم على ظهوره، فمنهم من اشترى فرساً وسيفاً استعداداً للملاحمِ والسنوات القادمةِ. ومنهم من ترك الزواج وبناء حياته وبيتهِ؛ وذلك كلهُ بناءً على ظهور الدجال قاب قوسين أو أدنى.
– أن يؤول إلى مفاسد كبرى كتكذيبِ الله ورسوله عليهم الصلاة والسلام: وذلك كما لو جُزم مثلاً أن المقصود بالمهدي هو فلان، ثمَ تبيّن خلاف ذلك، فقد يؤدي هذا بالناس إلى التكذيب بأحاديث المهدي، ومثل ذلك الجزم بغيرها من العلاماتِ دون يقينٍ تامٍ بصحةِ تنزيلها على الواقع.