ما هي رؤيا الملك وما تأويها في قصة يوسف عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


رؤيا الملك وما تأويلها في قصة يوسف عليه السلام

يُخبرنا الله تعالى كيف تجري الأحداث؛ لتتم أقداره دون أن يشعر أحد، فالله تعالى أراد أن يُعطي يوسف الحكم، وأن يكون عزيز مصر، فماذا الذي حدث؟ إنّ الذي حدث أن الملك رأى في منامه رؤيا أفزعتهُ، فجمع الملك حاشيتهُ وقص عليهم منامهُ الذي رآه، فماذا قال: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون” يوسف:43.

فرأى هذه الرؤيا، ففزع وقال: “ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” يوسف:43. فكان الكلام هنا عن مصر، والذي اشترى يوسف هو عزيز مصر، والقصةُ وقعت في مصر، ولكن هناك عزيز وهناك ملك مع أنّ الذين كانوا يحكمون مصر كانوا يٌسمونهم الفراعنة، فكيف حدث هذا؟ وأين ذهب فرعون.
عند تتبع التاريخ واكتشف حجر رشيد، وعرفنا تاريخ مصر القديم، وعرفنا لغة قدماء المصريين، وعلمنا أن هناك فترة من الفترات توقف فيها حكم الفراعنة، وجاء الرعاة الذين يُسمونهم الهكسوس وحكموا مصر، وكان يوسف وإخوته في وقت حكم هؤلاء الرُعاة، ثم استعادة الفراعنة حكم مصر وطردوا الهكسوس، وجاءوا بمن تحالفوا معهم فقتلوهم وعذبوهم.

وفي الفترة التي عاشها يوسف لم تكن مصر تحت حكم الفراعنة، وإنما كان الهكسوس يحكمون، وكان هناك ملك هو الذي يحكم، والعزيز مثل الوزير أو رئيس الوزراء، وهذا كان من إعجاز التنبؤ في القرآن الكريم؛ لأن هذه الحقيقة لم يعرفها العالم إلّا حديثاً. فملك مصر عندما رأى هذه الرؤيا طلب تأويلها أي معناها، وطلب الفتوى وقال: “أفتوني” فالرؤيا منامية تتعارض مع الفكر السليم، فالبقر الهزيل يأكل البقر السمين.

قصة البقرات العجاف التي تأكل البقرات السمان

إن البقرات العجاف الضعيفة الهزيلة تأكل البقرات السمينة، فهذا أمرٌ عجيب وغريب بالنسبة للملك، فقد طلب الملك أن يفسروا له رؤياه، فماذا قال وجهاء قومه؟ “أضغاثُ أحلام” يوسف:44. والضغثُ هو حزمة حشائش مختلفة الأجناس، وما دام “أضغاثُ أحلام” فهي مختلفة مع بعضها وليس لها تأويل، فعرضها على مستشاريه، فلم يستطيعوا أن يفسروها، وقالوا له أيضا إنها” أضغاثُ أحلام” وقالوا لا علم لنا بهذا التأويل، وذلك هو صدق الاستشارة؛ لأن الذي يُعلن جهلهُ بأمرها، ويطلب سؤال غيره يكون أميناً في رده، لقد قال العلماء من قال لا أدري فقد أفتى؛ لأنه حين يقول لا أدري سيضطرك إلى أن تسأل غيره حتى تصل إلى الحقيقة، كانوا أمناء وقالوا: لا نعرف شيئاً من الذي سمع هذا الحوار، إنه الساقي الذي نجا فتذكر ما حدث في السجن وما قاله يوسف.
لقد قال بعض بعض أهل التفسير الرؤى أن قوله تعالى: “قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ” يوسف:44. يعني أنه يوجد اضطراب في القول، فمن الذي رأى الرؤيا؟ إنه الملك، إذن فلا ضرورة للرائي أن يكون مؤمناً ولا صالحاً، قد يقول قائل: كيف يطلعه الله على مثل هذه المسألة، فقد نقول قد تكون الرؤيا إكراماً للرائي، وقد تكون الرؤيا إكراماً للمعبر الذي يعرف التأويل، وهي هنا إكرام للمعبر وهو يوسف عليه السلام.
وقال تعالى: “وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ” يوسف:45. فالساقي الذي قال له يوسف:45. فالساقي الذي قال له يوسف: إنك ستسقي الملك خمراً سمع وهو يسقي الملك عن الرؤيا التي رآها الملك، ورأى حيرة القوم، وتذكر بعد فترة قصته مع يوسف عليه السلام، وقال: إنني أعرف أحداً يُنبئكم برؤياكم” فأرسلون” يعني: ابعثوني إلى من سيروي لنا تفسير الرؤيا وأرسلوه وأسرع إلى يوسف فماذا قال له؟ “يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ” يوسف:47.

فكلمةُ يوسف الصديق تدل على صدقه، وتدلُ على أنه جربه في مسائل متعددة، وكان فيها صدقاً، وأنه صادقٌ في جميع أقواله، فكأن الصدق يلازم يوسف في أقواله وأفعاله. فطلب الساقي من يوسف عليه السلام أن يعرف ما هو تفسير البقرات العجاف التي تأكل البقرات السِمان، والسبع السنبلات الخضر والأخر اليابسات.
لقد أبلغ يوسف عليهم السلام لمندوب الملك أنه :”قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ” يوسف:47. فقد أفهم يوسف عليه السلام بأنهم سيزرعون سبعُ سنين، يواصلون خلالها الزراعة، وهذا كان معنى كلمة “دأباً” أي لا يوجد كسل وإنتاج هذا الزرع اتركوه في سنبله، أي لا تتصرفوا فيه بالتجارة، ولا بالمبادلة ولا بأي شيءٍ آخر، والزرع الذي تحصدونه في هذه السنوات السبع، خذوا منه بقدر حاجتكم إلى الطعام على أن يكون ذلك أقلُ ما يمكن، فقد علمتنا الآية الكريمة حقيقةً اهتدى إليها العلم أخيراً بالبحوث المختلفة هي أن الشيء إذا ترك أو تمّ تخزينه في وعائه من القشر الخارجي، فلذلك يحفضه من السوس.

ما هو الحل الذي أخبرهم فيه يوسف عليه السلام لتخزين القمح؟

لقد أخبرهم يوسف عليه السلام بأن يتركوا القمح الذي سيزرعونه خلال هذه السنوات السبع في غلافه الخارجي حتى يقيه من السوس والآفات، إذ فليس المطلوب فقط الزرع بجد واجتهاد السنين السبع القادمة، ولكن المطلوب أن يتركوه أيضاً في سنابله، بل إنّ بعض العلماء يقولون إن المطلوب هو أن يُترك القمح في عيدانه كلها، وليس في السنابل أو الغلاف الخارجي؛ وذلك لكي يأكل الناس ما في السنابل، وتأكل الحيوانات عيدان القمح.
إن ما دامت الحيوانات ستأكل العيدان، نكون بذلك قد وفرنا الغذاء في فترة الجدب للإنسان والحيوان، وليس للإنسان وحده، كما أننا عندما نطحن القمح بقشره تخرج منه الردة وتسمى النخالة، فهي أيضاً غذاء للحيوانات، فقوله تعالى: “قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ” يوسف:47. هذا إشارةً للقشرة الخارجية التي تحفظ القمح.

ثم ماذا بعد ذلك؟ قال: “ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ” يوسف:48. وقوله: “ما قدمتُم لهنّ” أي ما حفظتوه في سنوات الرخاءِ، ستأتي السنوات السبع الشداد وتأكله، وهنا نسب الحدث للزمن، فقال: “مَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ” فهل هي السنوات السبع الشداد هي التي ستأكل أم الذين يعيشون في هذه المنطقة خلال السنوات الشداد هم الذين سيأكلون؟ ونسب الأكل للسبع الشداد.
يقول سبحانه وتعالى: “ثم يأتي من بعد ذلك عَامٌ فيه يُغاثُ الناسُ وفيهِ يَعصرُونَ” يوسف:49. فهذه الآية الكريمة خارج عن الرؤيا؛ لأن الرؤيا هي رؤية السبع بقرات والسبع سنبلات، فانتهت الرؤيا عند السنة السابعة من السنوات الشدائد. وكلمة “يأتي” هذه نبوءة من يوسف، “فيه يُغاث الناس” أي يُعانون معاناة شديدة والغيث ينزل لينقذ الناس من الجدب، يُغاث الناس أي لا يحصلون إلا على قوتهم الضروى”يُعصرون” أنت لا تعصر شيئاً إلا اذا احتجت إلى كل قطرةٍ منه.


شارك المقالة: