طبيعة الغرامة ومجالها ومقدارها:
لقد عرفت الشريعة الإسلامية الغرامة كعقوبة أصيلةٍ، ومن أمثلة ذلك: تعزير من يجلس في مجلس الشرب بتغريمه، وكذلك من يسرق الضالة، أو الثمر المعلق، أو الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح، ففي جميع هذه الحالات وأشباهها نرى أن عقوبة الغرامة أصيلة، فرضت فيها الغرامة كجزاءٍ أصيل.
والحالات التي تعرف الشريعة الإسلامية فيها عقوبة الغرامة كعقوبة أصِيلة ليست من الجرائم الجسيمة، وهي لا تزيد عمّا نعرفه في تشريعنا الجنائي الحديث بجرائم الجنح. وقد تكون الغرامة هي العقوبة الأصيلة الوحيدة، كما في بعض الأمثلة السابقة. وقد تكون مع غيرها من العقوبات الأصيلة، مثل عقوبة الجلد مع الغرامة لمن سرق الماشية قبل أن تأوي إلى المراح، أو الثمر المعلق.
وليس هناك ما يمنع في نظري من أن يكون للقاضي الحرية في أن يجمع بين عقوبة الغرامة وعقوبة أو عقوبات أخرى، أو أن يحكم بإحدى هذه العقوبات فقط، أو أن يلزم بأن يجمع بين الغرامة وغيرها من العقوبات في حكمه. وذلك كله في حدود ما قد يوضع له من قيود لا تنافي قصد الشارع، تبعاً لظروف الجريمة والمجرم، ولاختلافِ الأزمنة والأمكنة، بناءً على أن التعزير في الشريعة الإسلامية مفوض إلى رأي الحاكم، فما دام أن أساس التعزير التفويض فإن الجمع بين الغرامة وغيرها من العقوبات أو عدم الجمع جائز.
وليس هناك حدٌ أدنى للغرامة ولا حدّ أعلى لها. وليس في الشريعة الإسلامية كذلك ما يمنع، فما اعتقد من تحديد الغرامة مقدماً، سواء في ذلك من حيث حدّها الأدنى أو من حيث حدّها الأعلى تبعاً لمختلف الجرائم، وأن يُترك للقاضي الحرية في أن يحكم في كل حالة على حدةٍ في نطاق هذا التحديد بالقدر من الغرامة الذي يراه مناسباً. ومبني ذلك ما قدمت من أن التعزير مفوض.