عقوبة القتل العمد عند أهل العرف:
إن القتل العمد مبغوضٌ عند أهل العشائر، لذا كانت العقوبة التي تترتب عليه قاسية جداً، ومخالفة غالباً لتعاليم الإسلام. وهذه العقوبات هي: الأخذ بالثأرِ خصوصاً في القتل العمد والترحيل والجلاء وأخذ الدية من القاتل وأهله وأخذ غرة فتاة بدل الدية.
الأخذ بالثأر خصوصاً في القتل العمد:
إن القتل هو فعلٌ مبغوض عند العرب، إلا إذا كان في سبيل أخذ الثأر، أو الذود عن العرض والديار، فإنه ممدوح ولطالما افتخروا به، ويسمّى البدو القتل في هاتين الحالتين: أخذ الثأر ونفي العار. وأكثر ما يكون بعض الناس انشراحاً عندما يأخذ بثأره ونراه يغمس منديلاً أبيض أو كوفيته في دم المثؤورِ منه ويرفع الراية المُلطخة بالماء على عصا، ويُقابل ذلك بالزغاريد والأفراح، ويسود اعتقاد مفادهُ، وأن الذي يأخذ بثأره يصبح صاحب كرامات وبركات، لدرجة أن بعضهم يأتي إليه للتداوي، ويظل الشخص يهذي بثأره، وكلما طال الزمن، وتناسى هذه المأساة يأتي من ينكأ هذا الجرح إذا قد يُعاير من قتل له رجل إذا ما تصرف أحد أقربائه تصرفاً عدائياً، فيُقال لهُ لو أنك رجلٍ صحيح لأدركتَ ثأرك وغيرها من عبارات التقريع والمعايرة.
وليس هناك فترة زمنية محدودة للأخذ بالثأر، فقد تطول وقد تقصر، فالعارُ ليس بطول الفترة الزمنية ولكن العار عدم أخذ الثأر، ويراعي عند أخذ الثأر، أن يكون الشخص المراد أخذ الثأر منه بمرتبة المقتول ومركزه الاجتماعي، أو أعلى منه، فعلى سبيل المثال: إذا قتل شيخ العشيرة لا يؤخذ الثأر من عامة الناس، وإنما من شخص من مركزه الاجتماعي، أو قريباً من ذلك، وأولوية الأخذ بالثأر، يقوم بأبناء المقتول بحكم رابطة الدم، فإن لم يكن له أبناء أو كانوا ولم يتمكنوا من الأخذ بالثأر، انتقل هذا الحق إلى إخوانه ثم إلى أعمامه، وهكذا إلى غيرهم من أفراد العشيرة حسب قرابة رابطة الدم من المقتول، ويُعتبر عدم الأخذ بالثأر عار في المجتمع القبلي، وينتجُ عنه تدني القيمة الاجتماعية.
وعليه فأي فردٍ من أقرباء الضحية، يستطيع أن ينتقم لموت قريبة ذاك، حيث يعتبر أنه في فعله هذا إنما يُمارس حقه المشروع، بالإضافة إلى هذا فإن أقارب الفرد يجب أن يساهموا في أخذ ودفع الدية، وجلائهم إلى موقع بعيد عن مكان الخطر، حتى يتمُ الصلح في القضية.
وعلى العموم فقد كان المبدأ للشخص هو استعادة وإدامة التوازن الاجتماعي في مجال إعداد أفراد المجموعة ومجال الشرف والسمعةِ والنقص الناتج عن قتل عضوٍ، أو أعضاء من القبيلةِ. وإن مثل هذه العادات والتقاليد المذمومة فهي موجودةٌ الآن في واقعنا الذي نعيشه، حيث أن جريمة الأخذ بالثأر لا زالت موجودة.
وهناك عند العرب عاداتٌ قبيحة منها: إن الرجل يجب أن يثأر لقاتل أبيه أو ولدهِ أو أخيه أو أيًّ كان من خمسة القاتل؛ وذلك انتقاماً للمقتول من أهله وعشيرتهِ. ومن الغريب أن ما يسمى: بعير النوم ويطلقُ عليه اسم “قعود النوم” أو “بعير الراحة” يدفعهُ الذي يلتقي مع القاتل بعد الجد الخامس في القرابة، فيحق له أن يدفع لذوي المجني عليه بعيراً أو قعوداً، ويمكث في بيته ولا يجلو مع الجالينِ ولا يتمُ ذلك إلا بشرطين:
الأول: عليه أن يثبت أنه لا يلتقي مع الجاني في الخمسة جدود.
الثاني: البراءة من الجاني.
وهذا مخالف لتعاليم الإسلام، إذ الأصل في كل إنسان أن يسأل عن أعماله الشخصية المدنية كالإتلافات، والجنائية كالجرائم، ولا يسأل عنها غيره. لقول الله تعالى: “ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ” الطور:21. وقال تعالى: “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ” فاطر:18.
الترحيل والجلاء:
ومن العقوبات التي يفرضها المجتمع القبلي على الجاني هي الطرد والإبعاد وبلا عودة، والمطاردة تكون أعنف وأشد قسوةً إذا كانت عشيرة المقتول قويةً. وفي بعض العادات المحرمة يتحتم على القاتل أن يجلو عن بيته وديارهِ وأهله إلى مكانٍ آخر مع كل فرد من أفرادٍ خمسته، لا بل أن الأدهى من ذلك أنهم يجوز لهم إذا صادفوا أياً كان من خمسة القاتل، أن ينهبوا ما يُصادفونه من حلال ومال أيضاً، وهذه الحالةُ تسمّى “بفورةِ الدم”. وإن ما ينهبونه في فورة الدم من مالٍ وحلال فيكون من نصيبهم، ولا يحسبونه من الدية، ولا يستثني من ذلك سوى العرضُ والأرض. وهذا بلا دون شك مخالفٌ للتعاليم الإسلامية والشرعية من تحريمه للنهب والسرقة وما شابه ذلك.