قصة أبو بكر الصديق في الغار:
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا – وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا” لقد توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر الصديق وهو ينتظره، فخرجا إلى جبلٍ فيه غار، واسمه غار ثور، وهو في أسفل مكة وقبل أن يدخلا إلى الغار، قام أبو بكر الصديق بالدخول فيه قبل النبي عليه الصلاة والسلام حتى يستطلع حاله وينظر ما في داخله، فوجد فيه أبو بكر الصديق جُحرين، فقام أبو بكر الصديق وغطى أحد الجُحرين بثوبه وأما الجُحر الأخر فقد وضع قدمه فيه وأغلقه.
ثم دخل النبي عليه الصلاة والسلام الغار وجلس عند أبي بكر وهو متعبًا ومجهدًا، فوضع نفسه على رجل أبو بكر ونام، وفجأة أحسّ أبو بكر الصديق بأن شيءٍ لدغه في رجله وصار يتألم ألمًا شديدًا ولم يستطيع التحرك حتى لا يوقظ النبي عليه الصلاة والسلام، فصارت عين أبي بكرٍ تدمع وسقطت الدمعة على وجه النبي عليه الصلاة والسلام فاستفاق النبي وسأله؟ ما بالك يا أبا بكر؟ فقال: لا شيء، فقال له لقد لدغني شيء في رجلي، فكشف النبي عن قدمه ودعا الله ونفث عليها فبرأت بإذن الله.
أما كفار قريش أخذوا يبحثون عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعن أبي بكر، فقد بحثوا في جميع مكة ولم يجدوهما، فخرجوا خارج مكة وجاءت الفرسان ووصلت إلى ذلك الغار ووقفوا عنده، فحزن أبو بكر الصديق عندما شعر بوجود الفرسان خارج الغار وخاف على النبي الكريم، فسأله ما بالك يا أبا بكر؟ قال: والله لو أن أحدًا نظر إلى قدمه لرأني يا رسول الله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: “ما ظنك باثنين الله ثالثهما”.
فقال تعالى: “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة آية رقم 40.
أما أبو جهل فقد انطلق في نفرٍ إلى بيت أبو بكر الصديق، وطرق الباب على أهله ففتحت له أسماء بنت أبي بكر الباب وسألها؟ أين أباكِ، فقالت له: لا أعلم، فكرر عليها السؤال فلم تجبه، فقام ولطمها على وجهها وأسقط القُرط عن أذنها وسال الدم على وجهها. وبعدها تابع مسيره للبحث عن النبي عليه الصلاة والسلام في كل مكان.
وبعد برهةٍ جاء جدّ أسماء بنت أبي بكر وهو والد أبي بكر وهو “أبو قحافة” فقد كان شيخًا كبير السن وضرير العينين فدخل على أسماء، وقال لها: لا أرى أبي بكر إلا فجعكم بنفسه وماله، قالت: لا، فقد ترك لنا خيرًا كثيرًا، فوضعت أسماء حجرًا عليه ثوب في صُرّةٍ يظنّ الجد أنها أموال، بالرغم من أن أبي بكر تركهم بدون مال ولا طعام، فقال: إما أنه ترك لكم هذا فقد أحسن الفعل.
تقول أسماء بنت أبي بكر لقد أخذ أبي كل ما في دارنا من مال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فثلاثة أيام ورسول الله وأبو بكر في الغار، وأن الذي كان يوصل لهما الطعام هي أسماء بنت أبي بكر، أما عبد الله ابن أبو بكر كان يجلس في مكة في النهار حتى يستطلع الأخبار ويعرف ما يدور فيها، فإذا حلّ الليل يذهب إلى والده ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويُطلعهما على أخبار مكة.
لقد كان عامر ابن فهيرة وهو مولى لأبي بكر، يجلب الغنم كل يوم حتى تغطي آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء، أما قريش فقد جعلت مئة ناقة مكافأةٍ لمن يجيء بأبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد حان موعد الخروج من الغار حتى ينطلقان إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرب أبو بكر وجاء براحلتين وجهزهما للهجرة وقال اختر أفضلهما يا رسول الله، فقال له الرسول: إني الراحلتين لك، فقال أبو بكر لا بل هما لك، وإذ بأسماء تجيء بالطعام، ولكنها لم تجد شيئًا حتى تربط الطعام به في الراحلة، فشقت نطاقها حتى تلفّ به الطعام، وسميت بذات النطاقين، وانطلق النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر في أخطر رحلة وأعظم رحلةٍ في هذه الأمة من مكة إلى المدينة المنورة.