ما هي قصة أصحاب الكهف؟

اقرأ في هذا المقال


قصة أصحاب الكهف:

إن أهل قريش جاءوا لليهود يسألونهم ماذا نفعل برجلٍ يسمي نفسه نبياً ويدّعي بأنه نبي، بالرغم من أن اليهود كانت تعلم أن قريش من أهل كتاب، فجاءوا إليهم يستعينون بهم على محمد عليه الصلاة والسلام، فقالت اليهود: سلوه عن ثلاثة أمور هي: فتية ذهبوا في الدهر لا يُدرى عنهم وعن رجل طواف في الأرض وعن الروح، سلوه عن هذه الأمور الثلاث.

فجاء المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن هذه الأمور الثلاثة، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلم سأجيبكم غدًا، فجاءوا إليه في اليوم التالي ولكن لم يوحى شيئًا لرسول الله بعد، فقالوا له أين الإجابة عن سؤالنا، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: سأجيبكم في الغد، وأيضاً لم يوحى شيئًا للنبي بعد، فجاءوا إليه في اليوم الثاني وسألوه ولم يجبهم النبي عليه الصلاة والسلام.

وقد ظل النبي عليه الصلاة والسلام على هذه الحال لفترة وجيزة وقد أصابه الهم والغم؛ لأن المشركين أصبحوا يشّكون في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وبدأ الذين أسلموا مع النبي يصيبهم الهم والحزن بأنه كيف للرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يجيب المشركون عن أسئلتهم، حتى أنزل الله تعالى على نبيه قوله تعالى: “وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا” الكهف:23. أيّ أنك لا تقول سأجيبكم غدًا إلا أن تقول إن شاء الله.

فعندما جاء المشركون إلى النبي عليه الصلاة والسلام في المرة الأخيرة، أجابهم النبي عليه الصلاة والسلام سأجيبكم غدًا إن شاء الله تعالى، أما الفتية الذين ذهبوا في الدهر فهم فتية آمنوا بربهم، ويقول إن هؤلاء شباب كانوا في ذلك الزمن من أبناء الملوك، والقرية كانت كافرة، فقد كانوا أصحابها يعبدون الأصنام والكواكب، وكان هؤلاء الفتية مغروز في قلبهم حبّ الله تعالى والإيمان به، ولكن الفتية كان كل واحد فيهم لا يعرف عن الآخر شيء وكان كل واحد فيهم يكتم إيمانه في نفسه.

والشاب عندما يؤمن بالله تعالى، فإن الأمة تعتمد عليه، فهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وفي ذات يوم كانت القرية على موعدٍ في يوم عيد تقديم القربان للآلهة والأصنام وللمعبودات من دون الله، فطلبوا من الفتية أن يكونوا معهم فاعتذروا كل واحد منهم عن حضور هذا العيد.

فخرج الفتية كل واحدٍ من قصره وذهبوا إلى مكان في ظل أشجارٍ وجلس كل واحدٍ منهم تحت ظل هذه الشجرة، وعرفوا بعضهم عند اللقاء ولكن كل واحد أخفى في قلبه عن الآخر، وفجأة قام واحدٍ منهم وقال: يا قوم يا إخوتي أتعلمون أن ما يفعلونه قومنا ليس بحق وأنه هو الضلال والشطط وأن الله تعالى هو الذي خلقنا وخلق الكون هو وحده المستحق للعبادة ولا شريك له، فقال تعالى: “نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى” الكهف:13.

فقد وصفهم الله تعالى بالفتية وأنهم لم يكون كبارًا في السن وأن قلوبهم حية وغرز الإيمان في قلوبهم عن طريق الفطرة السليمة، فقال تعالى: “وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا – هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا” الكهف:14-15.

فقد خرجوا هؤلاء وتركوا خدمهم وقصورهم وممتلكاتهم ومناصبهم، فقال أحدهم وقال الجميع أن قومهم في ضلال، فقال تعالى: “وإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا” الكهف:16.

إن في ناحية القرية جبل ويوجد فيه كهف، فتعلقهم بربهم جعلهم يتركون قصورهم ونعيمهم ويأوون إلى كهف في جبل، ولكن هذا الكهف يوجد فيه أفضل من فرشهم وحريرهم وكل ما يمتلكونه في قصورهم، فدخلوه واستلقوا فيه من دون سجاد ولا فرش وليس فيه أي نوع من أنواع الرفاهية التي كانوا يملكونها ولكن فيه رحمة من رحمات الله تعالى.

ولما دخلوا الكهف وإذا هم من شدة التعب ينامون وما كانوا يعلمون أنهم سيستيقظون إلا بعد ثلاث مئة عام وتسع سنين، وهم يظنون أنهم لبثوا أقل من يوم، حكمة الله تعالى أنه ينشر له من رحمته ويُهيء لهم من أمرهم مرفقا.

فقال تعالى: “وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا- وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا” الكهف:17-18.

أي أن الشمس كانت تطلع عليهم في أول النهار وفي آخر النهار؛ لأنها مفيدة لهم، أما وسط النهار فلم تصلهم الشمس أبدًا حتى لا تحرقهم، فأول النهار تزاور عنهم وعند الغروب تقرضهم، أي أنها كانت تقلبهم على الجنبين.

فصار يبحث عنهم أهل القرية ولم يجدوهم، ظلوا يبحثون عنهم لعدة شهور وسنين ولكنهم فقدوا الأمل من أن يجدوهم، وهم في الكهف نائمون وبقدرة الله تعالى أنه يقلبهم إلى جهة اليمين وإلى جهة الشمال وهم لا يشعرون؛ حتى إذا رآهم أيّ واحد يعرف أنهم نائمون وأنهم أحياء، فقدرة الله في تقليبهم هي أن الجسم إذا بقي على حاله فإنه يتآكل.

إن الله تعالى أيضًا جعل عليهم هيبة حتى إذا رآهم إنسان أو حيوان أو إنس خاف منهم وهرب، وقام الله تعالى بالضرب على آذانهم لكي لا يزعجهم شيء ولا يعكر صفو نومهم أحد.

كيف ومتى استيقظ الفتية وما الذي حدث بعد استيقاظهم وكم كان عددهم:

لقد جرت الأيام ومضى حال الفتية في الكهف وهم في اليوم الأول وفي اليوم الثاني وكلبهم على حاله يحرسهم ويخيف كل من يقترب إليهم والفتية يتقلبون، والشمس تزاور أول النهار وتقرضهم آخر النهار، وبعد ثلاث مئة وتسع سنين ذهبت أجيال وجاءت أجيال أخرى فإذا بالله يأذن لهم بالاستيقاظ، فقال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ“.

وعندما استفاقوا سألوا أنفسهم كم لنا من الوقت ونحن نائمون، فقال أحدهم من الصبح حتى فترة الغروب والآخر قال: لا لم نكمل اليوم في نومنا، فقال الآخر لا بل لبثنا يومًا أو بعض يوم، فقال آخرهم ألا تشعرون بالجوع، فقالوا نعم، إنا نشعر بالجوع، فقال أحدهم: اذهبوا للقرية واجلب لنا الطعام، فقالوا: إذا خرجنا لجلب الطعام فإن أمرنا سيكشف ويعرفون بأننا هاربين، ولكن أتعبهم الجوع وأهلكهم، فقال أحدهم: ما رأيكم أن يذهب أحدنا ويأخذ هذه الورق ويشتري لنا الطعام من السوق وعليه أن يمشي بهدوء وبالسر وأن يتخفى ولا يشعر الناس بوجوده، فقال تعالى: “إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا” الكهف:20.

وعند خروج أحدهم ليشتري الطعام وإذ بالقرية مختلفة والناس متغيرة واللباس مختلف ولا يوجد شيء على ما كان عليه وهو يسير بين الناس وإذ بالناس تتعجب من شكله ومن لباسه وحينما وصل إلى البائع لكي يشتري، فإذ به يعطيه النقود ثمن الطعام فسأله البائع ما هذا، فأجابه هذه نقود ثمن الطعام، فأخذ البائع هذا الرجل وذهب به إلى الملك، فسأله من أين لك بهذه النقود؟ فأقسم له بأنها نقوده وأن معه أصحابٌ له ذهبوا إلى كهف ناموا فيه بضع ساعات وبعدها استفاقوا.

فسأله الملك من تكون أنت ومن أصحابك، فأجابه أنا فلان ابن فلان ومعي فلان وفلان، والملك كان يعرف أن هناك فتية قد غابوا عن قريتهم أكثر من ثلاث مئة سنة، فسأله هل أنت وأصحابك موجودون، قال نعم، فقال له الملك دلنا عليهم، فقال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا” الكهف:20. فعندما عاد عليهم قال لهم: يا أصحابي هل تعلمون ما الذي حلّ بنا، قالوا: ماذا، قال: نمنا أكثر من ثلاث مئة عام.

فعندما علم أهل القرية بالخبر ذهلوا به، فقبض الله أرواحهم مباشرة وماتوا، وعندما علم الناس بأمرهم وأنهم ماتوا وضعوا الحجارة عليهم وأغلقوا هذا الكهف واختلوا في أمرهم، فقال بعضهم: لنتخذ عليهم مسجدًا، ثم بعدها اختلفت الأمم في أعداد هؤلاء الفتيان، فقال تعالى: “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا” الكهف:22.

فهذا هو الحق يا محمد وما علينا من كلام اليهود ولا من كلام أهل قريش ولا من قصصهم، فهذه هي القصة الحقيقية، فقال تعالى: “نحن نقص عليك نبأهم بالحق” ولكن قوله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله.


شارك المقالة: