لقد قيل إن أول واقعة قسامة كانت في الجاهلية، حيث أنه قتل رجل أجيرًا يعمل عنده وانتفى من دمه وحلف ثمانية وأربعون رجلًا من قومه على أن صاحبهم لم يقتل ذلك الرجل، وتخلف اثنان عن الحلف، وقاموا بدفع ما استحق عليهم من الدية بدل الإيمان، فنجيا وأهلك الله الذين حلفوا،ولم يمرّ عليهم فترة عام من وقت حلفانهم وفيهم عين تطرف.
الدليل من السنة على قصة أول قسامة في الجاهلية
لقد روى البخاري في صحيحه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أولُ القسامةِ كانَتْ في الجاهليةِ كان رجلٌ من بني هاشمٍ استأجرَهُ رجلٌ من قريشٍ من فخذٍ أُخرى فانطلقَ معه في إبلِهِ فمرَّ به رجلٌ من بني هاشمٍ قد انقطعَتْ عروةُ جوالقِهِ. فقال: أغِثني بعقالٍ أشدُّ به عروةَ جوالِقي لا تنفِرُ الإبلُ فأعطاهُ عِقالًا يشدُّ به عروةُ جوالِقَهُ فلمَّا نزلوا عُقِلَتِ الإبلُ إلا بعيرًا واحدًا فقال الذي استأجرَهُ: ما شأنُ هذا البعيرِ لم يُعقلْ من بين الإبلِ؟ قال: ليس له عقالٌ قال: فأين عِقالُهُ؟ قال: مرَّ بي رجلٌ من بني هاشمٍ قد انقطعَتْ عروةُ جوالقِهِ فاستغاثَني فقال أغثْني بعقالٍ أشدُّ به عروةَ جوالِقي لا تَنفرُ الإبلُ فأعطيْتُهُ عِقالَهُ فحذفَهُ بعصى كان فيه أجلُهُ فمرَّ به رجلٌ من أهلِ اليمنِ فقال: أتشهدُ المَوسمَ ؟ قال: ما أشهدُ وربَّما أشهدُ قال: هل أنتَ عنِّي مبلغٌ رسالةً منَ الدهرِ قال: نعم إذا شهِدْتَ الموسمَ فنادِ يا آلَ قريشٍ فإذا أجابوكَ فنادِ: يا آلَ بني هاشمٍ فإذا أجابوكَ فسلْ عن أبي طالب فأخبرْهُ أن فلانًا قتلَني في عقالٍ وماتَ المستأجرُ فلمَّا قَدِمَ الذي استأجرَهُ أتاهُ أبو طالبٍ فقال.
ما فعلَ صاحبُنا ؟ قال مَرِضَ فأحسنْتُ القيامَ عليهِ ثم مات فَوُلِّيت دفنَهُ فقال: أهلْ ذلك منكَ فمكث حينًا ثم إن الرجلَ اليمانيَّ الذي كان أوصى إليه أن يبلغَ عنه وافَى الموسِمَ فقال: يا آلَ قريشٍ فقالوا: هذه قريشٌ قال: يا بَني هاشمٍ قالوا: هذه بنو هاشمٍ قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالبٍ قال أمرَني فلانٌ أن أبلغَكَ رسالةً أن فلانًا قتلَهُ في عقالٍ فأتاهُ أبو طالبٍ فقال: اخترْ منَّا إحدى ثلاثٍ إن شئْتَ أن تودىَ مائة منَ الإبل ِفإنَّكَ قتلْتَ صاحبَنا خطأً وإن شئْتَ حلفَ خمسونَ من قومِكَ إنَّكَ لم تقتلْهُ فإن أبيْتَ قتلْناكَ به فأتى قومُهُ فذكرَ ذلك لهم فقالوا: نحلِفُ فأتتْهُ امرأةٌ من بني هاشمٍ كانَتْ تحت رجلٍ منهم قد ولدَتْ له فقالَتْ: يا أبا طالبٍ أُحبُّ أن تجيزَ ابني هذا برجلٍ منَ الخمسينَ ولا تصبرْ يمينَهُ حيث تُصبَرُ الأيمانُ فقبلَهما وجاء ثمانيةٌ وأربعونَ رجلًا حَلَفوا قال ابنُ عباسٍ: فوالذي نفسي بيدِهِ ما حالَ الحولُ ومنَ الثمانيةِ والأربعينَ عينٌ تطرفُ”. رواه البخاري.
ماذا تعني القسامة
فالقسامة التي ذكرت في الحديث هي التي أقرتها الشريعة الإسلامية يعمل بها عند عدم وجود بينة تدل على القاتل، فإذا أتهم أولياء الدم رجلًا بقتل من يلون أمره حلف خمسون منهم كل واحد منهم يمينًا على أن فلان هو الذي قتل صاحبهم، فإن أبوا أن يحلفوا حلف أولياء ذلك الرجل خمسين يمينًا وأبرأوه من التهمة، مثلما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأولياء القتيل الذين اتهموا اليهود بقتل قريبهم، يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته، فلما أبوا الحلف لعدم شهودهم الأمر، قال عليه الصلاة والسلام: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم.
والقسامة في رواية عن بعض من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها وجدت في الجاهلية، فأقرها رسول الله على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين الناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر.
وقد أخبر ابن عباس رضي الله عنهما عن عن أول واقعة عمل فيها بالقسامة في الجاهلية وأنها كانت في رجل من بني هاشم، وكان من أمره أن استأجره رجل من قريش ليرعى معه إبلاء له، فقتله صاحب الإبل بسبب تفريطه في حبلٍ من الحبال التي يعقل بها الإبل رماه بعصا، فأصاب منه مقتلًا وقبل أن يسلم الروح مر به رجل من أهل اليمن، فحمله رسالة إلى أهله يخبرهم فيها خبره وزعم قاتله أنه مرض فمات فصدقوه.
وعندما بلغتهم الرسالة التي حملها اليمني خيّر أبو طالب القاتل بين ثلاث خصال: إما أن يدي قاتلهم بمائة من الإبل، وإما أن يقسم خمسون من قومه على أنه لم يقتله، فإن أبى حل لهم قتله. فرضي قومه بالحلف، ونكص منهم اثنان دفع كل واحد منهما بعيرين، ونجيا من حلف الإيمان، في الموضع العظيم الذي تحلف فيه الإيمان بين الركن والمقام.
وقام الباقون بالحلف وما كانوا صادقين في حلفهم، فما مضى عليهم عام من اليوم الذي حلفوا فيه إلا أهلكهم الله فلم تبق منهم عين تطرف.