وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا:
قال الله تعالى: “وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا – لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا – تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا – أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا – وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا”مريم:88-92.
إن الذين قالوا هذا الكلام قالوه بعد ثلاثمائة سنة من ميلاد عيسى عليه السلام؛ لأنه قبل ذلك لم يقل أحدٌ هذا الكلام، فما الذي زاد في مُلك الله بعد أن جاء الولد؟ الشمس هي الشمس والنجوم هي النجوم، والأرض هي الأرض، والهواء هو الهواء، فإن الذي نظم هذا الكون منذ بدء الخليقة لا يحتاج إلى ولدٍ يساعدهُ في هذا الأمر.
إذن فإن موضوعية اتخاذ الولد عبثٌ؛ لأنه لم يزد شيء في الملك على يد هذا الولد، فلم تكن هناك صفة معطلة عند الله تعالى، وعندما جاء الولد كمل الكون بهذهِ الصفة؟ فتعالى الله على ذلك علواً كبيراً؛ لأن الصفات الكمالية لله قبل أنّ يُخلق أيّ شيء، فهو خالقٌ قبل أنّ يُخلق ورازقٌ قبل أن يُرزق، ومُحي قبل أن يحيى، ومميت قبل أن يُوجدُ من يموت، فكلُ صفاتِ الكمال موجودةً قبل متعلقاتها؛ فصفاتُ الله تعالى أزليةٌ.
فقال الله تعالى في سورة الكهفِ ردّاً على افترائهم: “ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا” الكهف:5. وفي سورة مريم قال: “لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا – تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا” مريم:89-90. والإدّ يعني المتناهي في النُكر والفظاعةِ من أدّه الأمر إذا أثقلهُ ولم يقوّ عليه؛ ولذلك يقول سبحانه في آية الكرسي: “وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” أي لا يُثقلهُ حفظهما، فكأنهم جاءوا بكذبةٍ لا تتحملها الجبال.
ما هي مقاصد اتخاذ الولد؟
إنّ اتخاذ الولد لها مقاصد، وهي أن يكون لك عِزوة وتزداد به قوةً وربنا سبحانهُ لا يحتاج لشيء من ذلك فهو العزيز القوي عن كل شيء، وكذلك أنت تتخذ الولد؛ ليكون لك ذكر بعد موتك، وربنا لا يحتاج هذا؛ لأنهُ حيٌ لا يموت وبقاؤه لا يتناهى، كذلك أن يُتخذ الولد لأجل أن يرث ترك أهلهُ بعد مماتهم، والله لا يحتاج هذا، فالله تعالى يرثُ الأرض ومن عليها. فاتخاذُ الولد ليس له علّة عند الحق سبحانه، كما أن اتخاذ الولد ينفي سواسية العبودية لله؛ لأن الله يريد أن يكون خلقه سواسية، فإذا صار له ولد تنتفي السواسية.
إنّ هناك شيءٌ اسمه نفي ابتغاء الحدث، فمعنى: “وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا” مريم:89. أي أنه سبحانه لو أراد اتخاذ الولد فلن يمنعه أحد، ولكنه لم يفعل ولم يُرد، وأنكر ذلك على من زعموه كذباً وزوراً، فنفي الابتغاء يدلُ على أن الحدث إنّ أرادهُ الله كان، ولكن لا ينبغي له أن يتخذ ولداً، لماذا لأن الولد حتى ولو كان ولداً باراً وطائعاً، فالله تعالى غيرمحتاج له؛ لأن الكل عبيده ولا يستطيع أحد أن يتمرد عليه؛ لأنه قادر عليهم جميعاً، فهم في قبضته ورهن مشيئتهِ.
ثم قال الله تعالى تأكيداً لذلك: “إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا” مريم:93. فإن جميع المخلوقات عابدة لله، وحتى الذين كفروا لم يخرجوا عن أنهم عبيد لله؛ لأن الإنسان فيه منطقة اختيار، هذه المنطقة هي أن يفعل أو لا يفعل، ولكن أيضاً هناك منطقةً قسرِ، فالكافر بما أعطاه الله من صفة الاختيار أن يكون طائعاً أو عاصياً، مؤمناً أو كافراً، وهذا الكافر الذي اعتاد على المخالفة والتمرد على الإيمان، لماذا لا يتمرد على المرض لكي لا يمرض، ولماذا لا يتمردُ على الموت لكي لا يموت، ولماذا لا يتمرد على الفقر لكي لا يُصيبه.
لماذا يحتاج الإنسان الولد؟
إنّ الملك لله وحده لا يزول أبداً وهو ليس محتاجاً إلى ولد ليرث مُلكهُ أو لأي غرضٍ آخر. فالإنسانُ يحتاجُ للولدِ لكي يعطيه العزّة والقوة وهو في شبابه قوى بذاتهِ، وفي شيخوختهِ ضعيفٌ بذاتهِ، وقويٌ بأولاده، ولذلك فهو يُريد الولد حتى يكون له القوةَ عندما يضعفُ، والله سبحانهُ وتعالى هو القوي دائماً الذي لا يضعفُ أبداً، وهو جلّ جلالهُ دائمُ القوة، ولذلك فهو لا يحتاج إلى ولد.
فكلُ الأسباب التي تجعلُ الإنسان يُريد ولداً هي من أجل استكمال نقصٍ، ونقصٍ في العمر؛ لأنّ الإنسان عمرهُ محدود، ونقص في الملك؛ لأن الإنسان يتركُ ما يملك عندما يموت، ونقصٍ في القوةِ؛ لأن الإنسان عندما يبلغُ الكِبر فإنه يُصبحُ ضعيفاً هزيلاً ومتعباً ويحتاج إلى من يُعينهُ ويُدافعُ عنه، فالله تعالى له الكمالُ كله منزهٌ عن النقص.