ما هي قصة توبة ابن ملك من ملوك بني إسرائيل؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة ابن ملك من ملوك بني إسرائيل:

عن بكرٍ بن عبد الله المزني أنّه قال: أنّ هناك رجلٌ من ملوك بني إسرائيل، مُنح طولة العمرِ وكثيرٍ من الأولاد ومالٍ كثير، وكُلما كَبر ولدٌ من أولاد هذا الملك كان يرتدي لبس الشعر ويذهبُ للجبال، وكان طعامهُ من الشجر، ويظلُ يسير في الأرض ويسيحُ حتى يُدركه الموت. وفعل هذا الأمر جماعتهم واحداً بعد الآخر، حتى تتابعوا النبيُّون على ذلك الشيء.

وبعد برهةٍ من الزمن أصاب ولداً بعد كبرٍ، وقام بدعوةِ قومهِ، فقال: إنّي أصبتُ ولداً بعد ما كَبرتُ في السن، وأنتم تشاهدون مدى شَفقتي عليكم، وإنّي لأخشى أن يلحق هذا سنّة إخوته، وإنّي لأخاف عليكم إذا لم يكن عليكم أحدٌ من ابني بعدي أن تتعبوا وتهلكوا، ولكن خذوه الآن وهو صغير السن، واجعلوهُ يُحب الدنيا، لعلّ وعسى أن يبقى من ورائي عليكم، وابنُوا حائطاً له فرسخاً في فرسخ، فكان فيه دهراً من دهره.

ومن بعد ذلك ركبَ يوماً، فعليه حائط صامت، وقال أنّي أظنُّ أنّ خلف هذا الحائط عالماً آخر، أخرجوني من هنا لعلّي أرى الناس وأتزيدُ من العلم، ففزع أبوه وخشي أن يلحق بإخوته، فقال لهم: اجمعوا له جميع أنواع اللهو، وبعدها ركب في السَنة الثانية وقال: لا بدّ من أن يخرج، وقالوا للشيخ: فأمرهم أن يخرجوه.

وصار على عجلة، وزُيِّن بالمجوهرات والزبرجدِ، وتجمع عنده نوعينِ من الناس، وعندما سار، إذ قابل رجلٌ  مُبتلى، وسأل عنهُ البعض، فقالوا له: هذا رجلٌ مبتلى، فهل يُصيب كل الناس، أم فقط الذي يخاف منه، قالوا: بل الذي يخاف له، حتى أنا السلطان، قالوا نعم، فقال لهم: أفٍّ لعيشَتكم فإنّها تغُمُّ البَال، وعاد حزيناً.

لقد وصل الكلام لأبيه: وقال لهم: أرسلوا لهُ كلّ باطلٍ ولهوٍ حتى يخرج الحزن من قلبهِ، وبعدها مكث سنةً كاملة، وقال لهم: أريد الخروج، وخرج كما كان حالهُ في أولِ مرةٍ، وبينما هُو يسيرُ، إذ صادَف رجلٌ كبيرٌ في السّن، وإذا بلُعابهِ يخرج من فمهِ، وسأل من هذا: قالوا له: إنّهُ رجلٌ كبيرٌ في السنّ، قال:  يُصيبُ ناس، أو أي شخصٍ يخاف له، لا بل يٌصيب كل من يخاف له، وقال لهم: أفٍ لعيشتكم، هذا عيشٌ لا يصفو لأيّ أحد، فبلِّغوا أباه، وقال لهم: أكثروا عليه الباطل، ومكثَ بعدها سنةً أخرى.

وبعدها خرج، وسارَ في طريقهِ وهو على نفس حالهِ، إذ شاهدَ شيئاً يحملهُ الناس على رقابهم، فسألوه ما هذا، قالوا لهم أنّه رجلٌ مات. فقال لهم: ماذا يعني الموت؟ فطلبهم أن يجلبوا له الموت، ويجلس عندهُ ويُكلمهُ، فأجابه أحداً وقال: الموت لا يجلس ولا يتكلم، فقال لهم: أين ستأخذوه، قالوا: سندفنهُ تحت التراب، وقال لهم: ماذا بعد التراب، قالوا له الحشر، فقالوا له: “يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” المطففين:6.

وبعد ذلك يذهب كلّ واحدٍ ويُكافئُ بقدر ما عَمل من الحسناتِ والسيئات، ثم قال لهم: هل هناك دارٌ أخرى تُجزونَ منها، قالوا: نعم، وحينها، قامَ بإلقاءِ نفسهِ من الفَرس، وأخذَ يمرغُ وجهه بالتراب، وقال لهم: إنّي كنتُ أخشى، فيكاد هذا الأمرِ يجيءُ إليّ وأنا لستُ على علمٍ به، فهل هناك ربٌّ يحشر ويُحاسب ويُعطي، إنّ آخر الوعد هذا بيني وبينكم، وليس لكم عندي سبيل بعد اليوم.

لقد قالوا له: لَن نترككَ حتى نُعيدك إلى أبيك، وردوهُ لأبيه والدم يسيلُ منهُ، فقال له: يا بُني، ما هذا الجزعُ؟ قال: هو لوقتٍ يأخذُ فيه كلاً منَ الصغير والكبير جزاءهُما على ما فعلاهُ من الخيرِ والشّر.

كيف كانت توبة ابن الملك:

لقد كانت التوبةُ هي، بأن طلبَ ثياباً ولبسها، وقال: إنّي سأخرجُ في الليل، وحينما جاء نصفُ الليلِ، أو قريباً منهُ، خرجَ من القصرِ ودعا ربعُ وقال: اللهم إنّي أسألك أمراً ليس منهُ القليلُ لِي ولا الكثير، وقد سبقت فيه المقاديرُ، إلهي، إنّي وددتُ أن يكون الماءُ في الماءِ والطينُ في الطينِ، وإنّي لم أنظر إلى هذه الدنيا بنظرةٍ واحدةٍ. فقال بكرُ بن عبد الله، إنّ هذا رجلٌ خرج من ذنبٍ واحد، وأنّهُ لم يَعلم ما الذي عليه، فما بالكَ بمن يُذنب وهو يعرفُ ما عليه فيهِ، ولا يتوب ولا يُحرجُ ولا يجزعُ ولا يعرفُ من هو الله.


شارك المقالة: