ما هي قصة توبة هارون الرشيد؟

اقرأ في هذا المقال


التعريف بهارون الرشيد:

أبو جعفر هو هارون الرشيد، وهو أمير المؤمنين، فقد كان طويلاً وجماله يُلفت الأنظار وكان يتصف بالفصاحة في كلامه، كان يُحب العلم والأدب وكان أيضاً يميل إلى أصحاب العلم والمعرفة، وكان يُعظّم حُرمات الإسلام، كان شديد البكاء، وكان يبكي بنفسه خاصةً إذا أُلقي إليه وعظ، وكان يحجُ عاماً ويغزو عاماً. كان يُحب الصلاة، فواضب في يومهِ على صلاة مئة ركعة يومياً حتى انتقل إلى جوار ربه، وفي السنة التي لا يذهب فيها إلى حجّ بيت الله، كان يتكفل بحج 300 رجل على نفقته الخاصة به.

قصة توبة هارون الرشيد:

لقد قيل أن أمير المؤمنين هارون الرشيد قد قصد بيت الله تعالى لأداء مناسك الحجّ، وبينما هو غارق في النوم في مكة، سمع الباب يُدَق، فسأل من هذا، قال: أجب يا أمير المؤمنين، فسارع بالخروج، وقال: يا أمير المؤمنين، لو بعثت إليّ أحداً لجئتُ إليك، فأجابهُ ويحك، لقد خطرَ على بالي أمر، فابحث لي عن رجلاً هنا لكي أسأله، فقال له: يوجد هنا سفيانُ بن عيينة.

فطلب منه أن يذهبا إليه، وساروا إلى سفيان وعند الوصول طرقا الباب، فقال سفيان: من الطارق، فقال له: أنا أمير المؤمنين، فنهض سفيان مسرعاً، وقال له: لو أنك بعثت ورائي لأتيتك، فقال له: انصت لما جئتك به، وتحدث معه وقال له: هل عليك دين؟ فقال سفيان: نعم، قال: اقضوا له دينه، فعندما خرج أمير المؤمنين صار يقول: ما أغنى عني صاحبك شيئاً، ابحث لي شخصٍ آخر لكي أسأله، فقلت له: يوجد هنا عبد الرزاق بن همام.

فقال خذني إليه، فسرنا إليه حتى وصلنا فطرقتُ الباب، وقال من هذا، قلت: أنا أمير المؤمنين، ففتح له الباب، وقال له: لو أنك بعثت ورائي لجئتك، فقال: استمع لما جئتك به، هل عليك دين؟ قال: نعم: فقال لصاحبهِ: سدوا دينه، وذهب، وقال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً، وطلب أمير المؤمنين بأن يبحثوا له عن رجلٍ آخر، وقال له صاحبه هنا يوجد الفضلُ بن عياض، فقال: خذوني له، فعندما وصلنا إليه، وجدناهُ وإذ هو قائمٌ يصلي، ويقرأُ آية من القرآن ويردد بها كثيراً، فطرقوا الباب عليه، فأجاب من الطارق، قال: أمير المؤمنين، فأجاب الفضلُ مالي وأمير المؤمنين، فقلت: سبحان الله أليس عليك أن تُطيعه.

فنزل وقام بفتح الباب، ثم صعد إلى غرفتهِ وقام بإطفاء السراج، ثم جلس في زوايةٍ من زوايا البيت، فدخلنا وصرنا نبحث عليه بأيدينا، فسبقت يدُّ هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من يدٍ ناعمةٍ ولينة إذا نَفذت غداً من عذاب ربها، فقلتُ لنفسي، ليُحدثنه اليوم بحديثٍ نقيٍ وصاف من قلبٍ نقي وصافِ، فقال له أمير المؤمنين انصت لما جئناك به، فقال الفضل: إن عمر بن عبد العزيز حين توليهِ الخلافة، دعا سالم بن عبد الله وغيرهم، وقال لهم: إني أبتليت بهذا البلاء، وأشيروا علي.

وقال الخلافةُ بلاء، وتحسبها أنت وأصحابك نعمة، فأجابه سالم بن عبد الله، إذا أردت أن تنجو من عذاب الله، فعليك أن تصوم عن ملذات الدنيا، ويكون إفطارك منها هو الموت، وقال له محمد بن كعب، إذا أردتَ أن تنجو من عقاب ربك، فعلى كبير المسلمين أن يكون أباً وأن يكون أوسطهم أخاً وأن يكون أصغرهم ولداً، فيجب أن تحترم أباك، وتُكرم أخاك، وتحنن على ولدك.

وقال له رجاء بن حياة، إذا بحثت عن نجاتك من ربك، فعليك أن تحب المسلمين ما تحبهُ لنفسك أنت، ويجب أن تكره لهم، كل ما تكرهه لنفسك، وبعدها إذا شئت فمت. ولم أقول لك هذا؛ إلا لأني أخافُ عليك ليومٍ تزلُ بهِ الأقدام. فهل عندك أحدٌ من هؤلاء يُشير عليك أو يأمرك بهذا الأمور، فصار يبكي هارون الرشيد بكاءً شديداً ثم غشي عليه.

فصار يقول له: عليك الرفق بأمير المؤمنين، فأجابه ابن أم الربيع، تقتلهُ أنت ومن معك، وأرفق أنا به، فلما نهض هارون الرشيد قال له: زودني من عندك.

فقال: لقد وصلني يا أمير المؤمنين أن أحداً يعمل عند عمر بن عبد العزيز اشتكى إليّ، وكتبَ عمر إليه وقال: يا أخي: اذكر لهم كيف يطول سهرُ أهل النار مع حياتهم الخالدة فيها، فهذا الأمرُ يُرجعك إلى باب ربك نائماً ويقظاً، وأحذرك أن يبعدك شيئاً عن الله ويقربك للنار، فيكون هو آخر العهد وانقطاع الرجاء.

ولما قراتُ الكتاب، أخذ بنفسه وذهب إلى عمر، فعندما وصله، قال ما الذي جاء بك؟ قال: إني خلعتُ قلبي بكتابك، فلا أولي لك ولايةً حتى ألقى الله ربي، وصار يبكي هارون الرشيد بشدةٍ، وقال: زودني.

فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس، هو عم النبي عليه الصلاة والسلام، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: أمرني، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عباس: يا عم النبي! إنك لَتُنجي نفساً خيراً من إمارةٍ لا تحصيها؛ لأن الإمارة هي الندامةُ والخسران يوم تقوم الساعة. فإن كانت لديك القدرة أن لا تأمر على أحدٍ فافعل.

وصار يبكي هارون الرشيد بشدة، وبعدها قال له أيضاً زودني، فأجابهُ يا من تملك الوجه الحسن، انت من سيسألك الله عن هؤلاء الناس بأكملهم، فإذا عمدت على أن تحمي وجهك هذا من النار ففعل، وإياك أن يشرق عليه الصبح وأن يحل عليك الليل، ويوجد في قلبك غشٌ لرعيتك. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: “من أصبح لهم غاشاً لن يشمّ رائحة الجنة”.

وبعدها صار يبكي هارون الرشيد بشدةٍ، ثم قال: هل عليك دين؟ فأجابه نعم: دين لله لم يُحاسبني عليه، فيا حسرتي لو سألني عنه، ويا ويلي إذا ناقشني به ولم يكن عندي شيءٌ لأقدم به حجتي، فقال إنما أقصد من دين العباد، قال إنّ ربي لم يأمرني بهذا، لكن ربي يأمرني أن أطيعهُ وأن أسير على عهده، فقال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ – إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ” الذاريات:56-58.

فأجابه، خذ هذهِ 1000 دينارٍ وتصدق بها على عبيد ربك، فقال: سبحان الله: أنا أخبرك على سبيل النجاة، وأنت تجزيني بمثل هذا؟ وبعدها سكت ولم يحدثنا، وخرجنا من عنده، ولما وصلنا عند الباب، قال هارون: يا عباس، إذا قررت أن تدلني، فيجب أن تدلني على مثل هذا؛ لأن هذا هو سيد المسلمين.


شارك المقالة: